وفي آخر ساعة كان في حضن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهو يذكر الله، وكانت ترقيه عليه الصلاة والسلام بيديه؛ لأنها أشرف وأبرك، فكانت تأخذ يديه وتنفث، وتقرأ المعوذات، وتمسح جسمه، وكانت يديه من شدة المرض مسفودتان منهوكتان.
دخل أخوها عبد الرحمن وفي فمه سواك من أراك، فأبدَّه صلى الله عليه وسلم نظره، وكأن عينيه تتحدثان تطلبان السواك، فعرفت عائشة، ودعت بالسواك فقضمته وسلمته إلى محمد عليه الصلاة والسلام، فاستاك بيده كأشد ما يستاك في الحياة الدنيا، ثم رد السواك، أخذت تقول: عافاك الله، شافاك الله، أزال الله ضرك، فنزع يده مغضباً من يدها، وهو يقول: {بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى} أي: لا أريد الحياة، أريد أن أموت اليوم.
ومن لقاء الله قد أحبا كان له الله أشد حب
وعكسه الكاره فالله اسألِ رحمته فضلاً ولا تتكلِ
ثم يتمتم عليه الصلاة والسلام ويقول: {مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، ثم قال: لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ثم رفع طرفه، وقال: اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد}.