وعاد صلى الله عليه وسلم، وأكرمه الله بليلة الإسراء والمعراج، ثم نزل صلى الله عليه وسلم يخبر الناس، فأتت الاتهامات المغرضة.
وزعوا السفهاء على مداخل مكة يقولون: انتبهوا له؛ هذا شاعر وكاهن وساحر، هذا كذاب، أي أنه قد ديست كرامته، وأحرقت أوراقه، وذكرياته، وشبابه، وتاريخه الذي يسمى فيه الصادق الأمين؛ كفروا به: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89] ليعلم أن لا إله إلا الله.
ويعيش هذه اللوعة وهذا المضض، وكلما يكاد ينهار أو تنهار أعصابه؛ يتنزل عليه القرآن ويقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ} [الأنفال:64] وقال تعالى: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} [الإسراء:74].
ويدافع الله عن عرضه، ويدافع عن سمعه وبصره، ويدافع عن مبادئه، قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:1 - 5] وقال تعالى: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير:22] وقال تعالى: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [الحاقة:41 - 42] وقال تعالى: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفرقان:5] فرد الله عليهم: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:6].
وكذلك من المفتريات والإشاعات التي تحرق الإنسان احتراقاً ولا يعيشها الإنسان إلا بجرع من الدم، قولهم كما في الآية: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:103].