ما لقيه في الطائف

يخرج عليه الصلاة والسلام من مكة إلى الطائف، يقولون له: لا قرار لك في مكة فاخرج منها، وفي حديث في سنده نظر، وهو بشواهده يقبل التحسين، يلتفت عليه الصلاة والسلام وهو في مكانٍ يشرف على مكة والبيت، ويلتفت إلى مكة ويبكي ويقول: {والله إنك من أحب بلاد الله إليَّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت} فهذه مراتع الصبا:

وحبب أوطان الرجال إليهم مآرب قضاها الشباب هنالكا

إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهمُ عهود الصبا منها فحنوا لذلكا

خرج يبكي عليه الصلاة والسلام، لكن إلى أين يذهب؟

لا حراسة ولا موكب، لا جنود ولاجيش، لا قريب ولا زوجة ولا ولد، خرج وحيداً وصعد إلى الطائف، ووصل جائعاً متعباً ظامئاً، فلما رأى ملأ ثقيف قال: {قولوا لا إله إلا الله تفلحوا} هذه كلمته دائماً.

وقال البردوني:

بشرى من الغيث ألقت في فم الغارِ وحياً وأفضت إلى الدنيا بأسرارِ

بشرى النبوة طافت كالشذى سحراً وأعلنت في الدنا ميلاد أنوارِ

وشقت الصمت والأنسام تحملها تحت السكينة من دار إلى دارِ

في كفه شعلة تهدي وفي دمه عقيدة تتحدى كل جبارِ

البدر والشمس في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والنارِ

أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة يذوب في ساحها مليون جبارِ

أتى يقول: لا إله إلا الله، فما هو إلا الرد العنيف؟

قام الأول وقال: أنا أسرق ثياب الكعبة إن كنت صادقاً.

وقال الثاني: ما وجد الله إلا أنت ليرسلك.

وقال الثالث: إن كنت نبياً فأنا أصغر من أن أتكلم على الأنبياء، وإن كنت كاذباً فأنا أكبر من أن أتحدث مع الكذابين.

فليتهم ضيفوه! لكنهم ما فعلوا، ليتهم أسقوه! لكنهم ما فعلوا وطردوه، وليتهم تركوه، بل أرسلوا الأطفال والعبيد يرمونه بالحجارة، أما يرى الله المشهد؟

أما يرى رسوله يهان هذه الإهانات، ويتلقى الحجارة على قدميه الشريفتين، ورجله تسيل بالدم؟

إن كان سركمُ ما قال حاسدنا فما لجرحٍ إذا أرضاكمُ ألمُ

هل أنت إلا أُصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيتِ

ولكن ليعلم أن لا إله إلا الله.

ونزل عليه الصلاة والسلام في وادي نخلة وكله جراح، قلبه مجروح، مبادئه مجروحة، عرضه مجروح، كل شيء في حياته يعيش الجراح.

ثم وقف يدعو في تلك الليلة، وقصتها طويلة، وهي ليست مقصودة في هذا المقام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015