ناداكم الله وفتح لكم باب التوبة، فيا من أقبل على الله في رمضان أقبل في رمضان وفي شعبان، وأقبل إلى الله في غير رمضان وفي غير شعبان، فربك في رمضان هو ربك في غير رمضان الذي يعلم السر وأخفى، وبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان، والله اطلاعه عليك في رمضان وعلمه بسرك وما يحدثه خاطرك وتهجسه نفسك في رمضان وفي غير رمضان.
فما دام أن بابه قد انفتح وأن صدرك قد انشرح فعطاء الله مفتوح، ونواله ممنوح، وبذله يغدو ويروح، فلا تتول عن الله، أسأل الله أن يثبتنا وإياكم وأن يجعلنا ممن تقبل منهم صيامهم وقيامهم، وأن يجعلنا ممن صام هذا الشهر إيماناً واحتساباً، وكما ظمئنا هنا أن يسقينا من الحوض المورود شربة لا نظمأ بعدها أبداً، وكما جعنا هنا أن يطعمنا من ثمار الجنة فلا نجوع بعد ذاك الطعام أبداً، وكما سهرنا هنا أن يريحنا هناك فلا نجد نصباً ولا وصباً: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55].
اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق، أحيينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك الغنى والصدق في الخفاء والعلانية، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وإن كان من شكر فإنني أشكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الذي شرفني بالجلوس في هذا المكان أمام هذه الوجوه الغانمة الباسمة المقبلة إلى الله، أمام هؤلاء الأبرار الأخيار، ثم أشكر من كان سبباً في دعوتي وإجلاسي في هذا المكان فإن أهل الفضل يشكرون، ومن لا يشكر أهل الفضل فإنه لا يشكر الله:
زاد معروفك عندي عظماً وهو في نفسك مستور حقير
تتناساه كأن لم تأته وهو عند الناس مشهور خطير
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.