قال الإمام الذهبي: هو من أذكياء الدنيا بلا شك، فإن الله آتاه من سداد البصيرة -حتى في الجاهلية- ومن قوة النظر والإدراك ما جعل السكينة تنطق على لسانه، يأتي بالكلمة فيأتي الوحي مؤيداً ومسانداً لها، وهذا من شدة الفرقان في قلبه؛ لأن الله علم صدقه وإخلاصه، فنور قلبه، كما قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال:29].
يقول: ابن تيمية: "فلشدة فرقانة رضي الله عنه وللنور الذي في قلبه جعل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كلامه يصيب الحقيقة بلا شك" حتى في صحيح البخاري يقول ابن عمر: [[كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر، وكان لا يقول للشيء كذا إلا أتى]].
كما قال عمر وهو جالس مع الصحابة في المدينة يتحدث بعد صلاة العصر، وإذا برجل قد انحدر من جبل، فقال عمر: أتدرون ما خبر ذلك؟ قالوا: ما ندري! قال: هذا إما ساحر وإما كاهن وترك وديعة في الجبل وأتى.
فأتى الرجل وجلس بين الصحابة فقال عمر رضي الله عنه: يا فلان! قال: نعم، قال: قد كنت ساحراً أو أنت ساحر، وتركت وديعة في الجبل؟ قال: والله ما استقبلني أحد من العرب بمثل ما استقبلتني اليوم يا أمير المؤمنين -أي: كان ينتظر أن يقول له: حياك الله وأهلاً وسهلاً -فقال: أأنت ساحر أو كاهن؟ فسكت الرجل، فقال عمر: أسألك بالله إلا صدقتني، فقال: أما وقد سألتني فأنا سواد بن قارب كاهن العرب، هو كاهن العرب على الإطلاق وليس كاهن قومه، قال عمر رضي الله عنه: وماذا تركت في الجبل؟ قال: مات ابني -يا أمير المؤمنين- في الصباح، فحفرت له وصليت عليه ودفنته؛ لأنه أسلم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وله قصيدة عند ابن هشام يقول:
فكن لي شفيعاً يوم لاذو شفاعة بمغنٍ فتيلاً عن سواد بن قارب
فوقع أمر عمر رضي الله عنه وأرضاه حتى إن أمراء عمر على الأقاليم كانوا إذا أتى يحاسبهم تحرجوا أيما حرج، لأنه سوف يكشفهم بإذن الله.