يقول أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بستان رجل من الأنصار، فالتمسناه فلم نجده؛ وكان الصحابة إذا فقدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ذهبوا ليلتمسوه؛ لأنهم يريدون أن يجلسوا مع هذا النور الذي دقائقه تعادل السنوات من كثير من سنوات الصالحين، ومكسب عظيم أن يجلس المرء مع الرسول ولو ساعة، فهو رسول الهدى وأعظم من خلق الله.
يقول: فالتمسناه فلم نجده، فذهبنا بدداً -أي: انتشرنا- لنجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأتيت فسمعت حسه صلى الله عليه وسلم في المزرعة، فأتيت إلى قائد ماء، أي ساقية يدخل فيها الماء، وكان الأنصار يسقون مزارعهم فكان لكل واحد منهم قائداً.
قال: فجمعت ثيابي -كما في رواية مسلم - فدخلت كالثعلب من هذا المكان، فرأيت الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما رآني صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا هر -كان رسول الله يمازحه- قلت: نعم.
بأبي أنت وأمي يا رسول الله! قال: خذ نعلي هاتين واخرج فمن لقيت من الناس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فبشره بالجنة، فأخذ رضي الله عنه نعلي الرسول وضمهما.
قال: ثم جمعت نفسي وخرجت، قال: ثم لقيت الناس، وقلت: يا عباد الله! من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشره بالجنة، قال: فلقيني ابن الخطاب -أي: عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه- قال: وما جاوزت المكان كثيراً، فجمع يديه، ثم ضربني في صدري فوقعت على قفاي، قال: أتبشر الناس فيتكلوا؟! عد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فأخذت النعلين وفي رواية في الصحيحين فبكيت بكى إما من شدة الضربة وإما من هذا العنف، أو لأنه عطل المهمة التي أرسله رسول الله لها، والتي فيها بشارة للناس وأجراً في الآخرة، فرده عمر من حيث أتى.
قال: فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي وقلت: يا رسول الله! فعل بي عمر كذا وكذا، فتبسم صلى الله عليه وسلم، قال: ادع عمر، فدعوت عمر، فدخل عمر رضي الله عنه.
فقال صلى الله عليه وسلم: مالك؟! قال: يا رسول الله! أتخبر الناس أن من شهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله أنه يدخل الجنة فيتكلوا؟!! قال: صدقت، فلا تخبرهم.
وهذا من رأيه الحصيف، ومن قوة نظره وفكره، فإنه من عمالقة العالم.