معاذ مع النبي صلى الله عليه وسلم في تبوك

وفي تبوك كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة، وفي أثناء الطريق قال معاذ: اقتربت من راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسسته، وكان الصحابة يستأنسون أيما أنس بقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما آتاه الله من حسن الخلق والبركة والهداية والنور، وكان من سعة حلمه وتواضعه وخلقه أنه إذا صاحب الرجل من الصحابة في السفر حدثه كثيراً حتى في الليل.

ففي تلك الليلة قال معاذ: اقتربت منه صلى الله عليه وسلم فوجدت أبا قتادة من الأنصار قريباً منه، وكان في آخر الليل، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينعس على راحلته -لأنه سهر في الليل في تلك الليلة- وكاد أن يسقط من على الراحلة وتكاد تسقط به.

قال أبو قتادة كما في صحيح مسلم: {فاقتربت منه ودعمته بيدي -أي: أسندته بيدي- حتى رددته إلى مكانه، قال: ثم نعس الثانية، فرددته، ثم نعس الثالثة حتى كاد يسقط، فانتبه عليه الصلاة والسلام، قال: من؟ قلت: أبو قتادة، قال: حفظك الله بما حفظت نبيه عليه الصلاة والسلام} قال أهل العلم: ما زال أبو قتادة محفوظاً في أسرته وذريته حتى في القرن الثاني؛ لأنه تكلم بهذا الكلام، حتى عندما أتت الفتن لم يتدخل فيها، ولم يشترك في مشكلات الأمة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا له بالحفظ، قال: {حفظك الله بما حفظت نبيه} والحفظ أعظم ما يمن به الله على عبده.

يقول ابن المسيب رضي الله عنه: [[إن الله يحفظ العبد المؤمن في أهله وأولاده ودويريته]] أي: حتى في الدور التي تقاربه في قريته.

ففي تلك الليلة العامرة التي لا ينساها معاذ رضي الله عنه وأرضاه تقدم ليستغل الوقت في سمر من أحسن السمر مع سيد البشر عليه الصلاة والسلام -هل يتحدث معه في الدور أو القصور أو الوظائف أو يطلبه منصباً؟ وهو عليه الصلاة والسلام يستطيع أن يعطيه ذلك؛ فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أعطاه من الولايات ما الله بها عليم- فقال: يا رسول الله! ما هو العمل الذي يقربني من الجنة ويباعدني من النار؟!

هذا أعظم سؤال قد وقع بعد سؤال العقائد على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: {إنه ليسير على من يسره الله عليه} وفي لفظ الترمذي: {يا معاذ! لقد سألت عن عظيم}.

أي: لقد سألت عن أمر من أعظم الأمور، وهذا الحديث الذي تسمعونه قاعدة من قواعد الإسلام وأصل من أصول الدين، وهو من الأحاديث النبوية التي عليها مبنى أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام قال: {لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه} ثم أتى صلى الله عليه وسلم يسوق الأمور التي تقرب العبد من الجنة وتوصله إليها، وهي مفاتيح من مفاتيح أهل الجنة، فاستمعوا إليه:

يقول: {تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت -ثم وقف عليه الصلاة والسلام، وظن معاذ أن الخطاب قد انتهى- ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألا أدلك على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه} انظر إلى الكلام! كأنه هيئ من شهر أو شهرين وهو وليد الساعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أفصح من نطق بالضاد، حتى يقول أبو موسى: [[إنه صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم]].

وقال ابن مسعود: [[أوتي رسول الله جوامع الكلم وهديه وآخره]].

ثم قال: {ألا أدلك على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، ثم سكت صلى الله عليه وسلم وقال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: الصوم جُنة -يعني: وقاية- والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل صدقة، ثم تلا عليه الصلاة والسلام قوله تبارك وتعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [السجدة:16] إلى قوله: (يعلمون) ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألا أدلك على ملاك ذلك كله؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: كف عليك هذا، وأخذ بلسان نفسه عليه الصلاة والسلام، فقال معاذ: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله؟! -أي: أيسجل علينا؛ لأنهم ما علموا إلا ما علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال عليه الصلاة والسلام: ثكلتك أمك يا معاذ! -وهذا عند العرب لا يراد به الظاهر وإنما هو دعاء، أي: فقدتك، حتى هذه المسألة لا تعرفها- وهل يكب الناس على مناخرهم أو قال: على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم} رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

عاش معاذ رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عليه الصلاة والسلام معجباً به وبعلمه، وروى الإمام أحمد في مسنده، والترمذي بسند صحيح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015