أحمد بن أبي دؤاد القاضي المعتزلي، هو أحمد أهل البدعة وأحمدنا أحمد بن حنبل، يقول أهل السنة: أحمدنا أحمد بن حنبل وأحمد أهل البدعة أحمد بن أبي دؤاد.
كان كريماً في المال، ينفق في المجلس الواحد مائة ألف دينار، وأنفق مرة من المرات يوماً واحداً ألف ألف درهم لكنه ضيع الله وضيع حدود الله، يقصد بالمال رياء وسمعة، يقصد بالمال غير وجه الله؛ ليمدح، يقول فيه أبو تمام:
لقد أنست محاسن كل حسن محاسن أحمد بن أبي دؤاد
وما سافرت في الآفاق إلا ومن جدواه راحلتي وزادي
حرش على الإمام أحمد، وأغرى على الخليفة المعتصم بجلد الإمام أحمد؛ فدعا عليه الإمام أحمد، الإمام أحمد عرف الله في الرخاء فعرفه في الشدة، وأحمد بن أبي دؤاد ضيع الله في الرخاء فضيعه الله في الشدة، فقال الإمام أحمد: اللهم احبسه في جلده، اللهم عذبه قبل موته؛ فاستجاب الله للإمام أحمد فتعذب أحمد بن أبي دؤاد قيل: أصيب بالفالج كما قال الذهبي، وزاره بعض الناس من تلاميذ أحمد وقالوا: والله ما زرناك لنعودك ولكن زرناك شامتين، الحمد لله الذي عذبك في جسمك، الحمد لله الذي حبسك في أعضائك، فكيف تجد حالك؟ قال: أما نصفي فوالله لو وقع عليه الذباب فكأن القيامة قامت، وأما النصف الآخر فوالله لو قرض بالمقاريض ما أحسست به.
مات أحمد بن أبي دؤاد قال ابن كثير والذهبي وابن الأثير: شيع جنازة أحمد بن أبي دؤاد ثلاثة، ثلاثة بعد الدنيا، بعد الوزارة، بعد أن كان يسمى قاضي القضاة، بعد الذهب والفضة؛ لأنه ما تعرف على الله في الرخاء فلم يعرفه في الشدة.
وأما الإمام أحمد كلكم يدري كم شيع جنازته، مع أنه فقير، مسكين، لكنه مع العلم، والقرآن، ومع صلاة الليل، والذكر، والعبادة، قيل: يحفظ ألف ألف حديث.
قال الذهبي: بالمرسلات والمقطوعات والموقوفات وفتاوى الصحابة، يحمل الحطب في السوق، فيأتي وزراء بني العباس وقالوا: نحمل عنك الحطب؟ قال: لا.
نحن قوم مساكين لولا ستر الله افتضحنا!
يقول ابنه عبد الله فيما صح عنه: كان أبي يصلي غير الفرائض ثلاثمائة ركعة.
ذكرها صاحب تذكرة الحفاظ وسير أعلام النبلاء والبداية والنهاية وكل من ترجم عن الإمام أحمد، ثلاثمائة ركعة غير الفرائض!! لماذا؟ لأنه تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة.
أين قوتنا يا شباب الإسلام؟! أين عضلاتنا؟! أين شبابنا وصحتنا لماذا لم تستخدم في الطاعة؟! جاءه رجل فقال الإمام أحمد: أتحفظ شيئاً من الشعر؟ قال: نعم, قال: ماذا تحفظ؟ قال: قول الشاعر
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
فقام يبكي الإمام أحمد حتى سمع نحيبه.
قال المؤرخون: شيعه ثمانمائة ألف، خرجت بغداد العاصمة دار السلام عن بكرة أبيها، خرج جنود المتوكل، الجيش، الكتائب، الناس، الباعة، طلبة العلم، الحائكون، الخياطون، الصباغون، خرجت المدينة حتى قال بعضهم: وخرج بعض اليهود والنصارى!! بكت المدينة
عليك سلام الله وقفاً فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمر
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، ودفن الإمام أحمد وما زال ذكره في الذاكرين، وما زال اسمه في الخالدين، وما زال رسمه مع طلبة العلم والمتعلمين، يقرأ في الكتب، ويناقش في المجالس، وتدوي بصوته المنابر وتسمع به الإذاعات والصحف، إمام أهل السنة والجماعة سلام عليه في الخالدين.
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة.