فأراد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يؤانسه، لأنه خائف، كان يرعى غنماً في الصحراء فسمع صوتاً كاد قلبه أن يطير منه، فأراد الله أن يؤانسه فسأله عن العصا والله يعلم فهو الذي خلق العصا وخلق موسى، وخلق فرعون، وخلق الأرض والسماء، فقال: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه:17] فاستلذ بالخطاب وفرح بالجواب {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:18] قال الله له: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:24] سبحان الله! يفر من الطاغية وقد قتل أحد رعية الطاغية والطاغية يبحث عنه، واليوم يلزمه رب الأرض والسماء أن يدخل على فرعون!! لا حرس, ولا جنود, ولا سلاح, ولا قوة, ولا جيش, ولا كتائب, ولا أصدقاء, ولا إخوان لكن {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] (تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة).
فذهب وفي الطريق علمه الله أدب الدعوة يقول: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] , ولو أنه سفاك ومجرم ووثني، وزنديق، وملحد، ولو أنه داس التاريخ تحت قدميه لكن لا تنسيا أن الدعوة لها أسلوب، وأن الدعوة لها أصول ولها قواعد ولها نتائج، وهذا درس لدعاة الإسلام أن يستخدموا اللين {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:45].
وقف رجل من الأعراب أمام هارون الرشيد الخليفة العباسي وقال: اسمع مني فإن عندي كلاماً شديداً سوف أقوله لك.
قال هارون الرشيد: والله لا أسمع، والله لا أسمع، والله لا أسمع.
قال: ولمَ؟ قال: أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني فقال له: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:46].
ووصل موسى وتذكر الخوف، وتذكر السياط الحامية عند المجرم، تذكر السيوف التي تقطف الرءوس وحمامات الدم، وتذكر الزنزانات والسجون، وتذكر الحديد والنار والإرهاب؛ فالتفت بطرفه إلى السماء وقال: {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:45] سبحان الله! قال عز من قائل: {لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46].
تعرف على الله في الرحاء يعرفك في الشدة، وانتصر في الحوار، ونزل إلى الميدان وحيداً فريداً معه العصا.