ومن حفظ موسى لله في الرخاء أنه لما أتته المرأة الجارية ابنة الرجل الصالح تدعوه إلى أبيها قال لها: تعالي ورائي ودليني على الطريق.
سبحان الله يا للحياء، يا للروعة! يا لمراقبة الله! فهل تصور شبابنا هذا الموقف موقف موسى، يقول للجارية في الصحراء الذي لا يخشى من أبيها وليس عندها قوة وبإمكانه أن يفعل ما أراد وهو قوي حمل صخرة من فوق البئر لا يحملها إلا عشرة، وهو شاب أعزب، وهو في مكتمل القوى، وهي منفردة في الصحراء، قال: تعالي من ورائي ودليني على الطريق؛ لئلا يرى شيئاً منها، احفظ الله يحفظك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة.
هل علم شبابنا بهذا المبدأ؟ هل علم هذا الذين أطلقوا نظرهم إلى الحرام، ونظروا إلى الأجنبيات، وانتهكوا الحرمات، وأغضبوا رب الأرض والسماوات، وأكثروا من الخطيئات؟ هل حاسب شبابنا أنفسهم وهم يتسترون بالمعاصي وراء الجدران ويرتكبون الخطيئات بين الجدران ونسوا الواحد الديان.
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
وعاد موسى ووصل وتزوج على كلمة الله حلالاً، حلالاً لا حراماً؛ لأنه حفظ الله وتعرف على الله في الرخاء فعرفه في الشدة.
وأتى إلى الصحراء يهش بعصاه على الغنم، يتوكأ على عصاه في الصحراء، وإذا بالله يناديه {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه:14 - 15] رأى ناراً عليه السلام، فأتى إلى النار ليقتبس منها أو يجد على النار هدى أي: يهديه الطريق، فوجد هداية لجنة عرضها السماوات والأرض، ووجد هداية لحياة أبدية سرمدية، ووجد هداية مع الأنبياء والرسل، ووجد هداية لا إله إلا الله، الدين لله، والمنهج لله، والسماء لله والأرض لله.
لمعت نارهم وقد عسعس الليل ومل الحادي وحار الدليل
فتأملتها وفكري من البين عليل وطرف عيني كليل