إخواني في الله! يقول عليه الصلاة والسلام من حديث طويل: {تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة} وهذا هو عنوان هذه المحاضرة، وهذه الوصية قالها أخشى الناس لرب الناس، وأعلم الناس بما لرب الناس من جلال وكمال، وأصدق الناس في الوصية للناس، وهي من حديث طويل، ركب ابن عباس رضي الله عنهما مع رسول الهدى صلى الله عليه وسلم على حمار، محمد صلى الله عليه وسلم يركب الحمار، وهو يقود القلوب إلى بارئها، محمد صلى الله عليه وسلم يركب الحمار وهو أشرف من طلعت عليه شمس النهار! محمد صلى الله عليه وسلم يركب الحمار وهو أشرف الأبرار وأخير الأخيار وأحسن من يرثون الدار!
قال لـ ابن عباس وهو في مقتبل العمر، شاب لا يدري ما هي طريق الحياة، في أول الطريق لا يعلم ما الله صانع به، فاختلسها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرصة سانحة نادرة وقال لـ ابن عباس: {يا غلام -فالتفت الغلام واستمع وأنصت- إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء, لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف} ما أحسن الحديث، وما أعظم الوصية، وما أجل الخطاب!!
تعالوا معنا -أيها الناس- إلى دعوته صلى الله عليه وسلم وكيف علم أصحابه أن يعرفوا الله في الرخاء ليعرفهم في الشدة، وهذه سنة الله في الخلق: أن من تعرف على الله في الرخاء عرفه في الشدة، ولذلك كانت أمنية الصالحين قديماً وحديثاً أنبياء وغير أنبياء أن يحفظهم الله في الشدة.