الثمرة الثانية: أن الأمة تهيأت للجهاد في سبيل الله، فإن راية الجهاد سقطت من عهد صلاح الدين الأيوبي الكردي المسلم، فهو لم يكن عربياً, لما تولوا العرب للعزف على الموسيقى, وللسهرات الحمراء، وللشهوات والنزوات، قال سبحانه: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89].
فإن العرب لم يأخذوا الإسلام بصك شرعي، إذا انحرف العرب عن الإسلام أعطى الله الأكراد أو الأفغان أو الهنود أو الأحباش الإسلام، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89] فلما تولى العرب وأصبحوا أهل جواري, وأهل ما يطلبه المستمعون, وجمع طوابع, وضياع, وهوايات ساقطة؛ غضب صلاح الدين وأقسم بالله لا يتبسم حتى يفتح بيت المقدس , وجهز جيشاً عرمرماً، فهل تعلمون متى بدأ الهجوم في معركة حطين؟
أنه بدأ الساعة السادسة يوم الجمعة، قيل لـ صلاح الدين: لم اخترت هذا الوقت، قال: " إذا ارتقى الخطباء على المنابر يوم الجمعة في عالم الإسلام, رجوت أن يدعى لنا بدعاء فينصرنا الله "، وبدأ الهجوم، يقول بعض المؤرخين: قرأ قبل الهجوم سورة الأنفال وكان الجيش الذي يصادمه -الجيش الصليبي الألماني والفرنسي والإنجليزي- كلهم جبهة ضد صلاح الدين، ولكن مع صلاح الدين الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَاد * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52] واستمع قبل المعركة قليلاً لـ موطأ مالك وانظر هذا القائد الرباني حتى موطأ مالك يقرأ عليه في المعركة، فقرئ عليه في باب الجهاد بعض الأحاديث ثم بدأ الهجوم وانتصر, وبعد أسبوع صلى الجمعة في مسجد بيت المقدس الذي سقط بعد عمر وأعاده للمسلمين صلاح الدين، وكان في الصف الأول وقام شمس الدين الحلبي العالم يخطب الجمعة، فاستهل الجمعة وقال: الحمد لله مجري السحاب، منزل الكتاب، هازم الأحزاب، الحمد لله وحده، الذي نصر عبده وهزم الأحزاب وحده، ثم قال يحيي صلاح الدين:
تلك المكارم لا قعبان من لبنِ وهكذا السيف لا سيف ابن ذي يزن
وهكذا يفعل الأبطال إن غضبوا وهكذا يعصف التوحيد بالوثن
فهذه من أيامنا وليالينا التي عشناها منتصرين, فلما تركنا الجهاد انحصرنا وأصبحنا في آخر الركب, دول نامية لا قيمة لنا في العالم، ليست لنا ريادة، بل روى أحمد وأبو داود بسند يصححه ابن القطان: {إذا رضيتم بالزرع، وتبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم} وهذا أمر معلوم.
إذا انصرفت الأمة إلى الفلاحة وزراعة البطاطس والباذنجان, وأصبحت فقط هوايتها الأسعار وأخبار الأمطار والأشجار والحدائق والبساتين, وأصبحت هوايتها ما يطلبه المستمعون وافتح يا سمسم, وهذه الأمور تسقط الأمة من عين الله, فلا يكون لها مكانة في العالم.
إذا عادت لنا الأزمة فعلينا أن نجاهد ونحمل راية الجهاد من جديد وألا نستسلم، وأي إنسان يقول كما يقول بعض أهل العلمانية: أن هذا الجهاد وحشية, والإسلام ينتشر فقط بالقلم والفكر والرأي والحوار، وكيف تحمل السلاح وتقتل الكفار؟! قال: بالحوار, فاهجره حتى يسمع كلام الله، وهل نسي أن ثلث القرآن من الآيات التي طالبت المسلمين بالقتال في سبيل الله؟! {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111].