وعند ابن حبان بسند صحيح, أن أبا ذر رضي الله عنه وأرضاه قال: {أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثمان، من هذه الثمان: أن تعبد الله لا تشرك به شيئاً ولو قطعت ومزقت وحرقت}.
والتقطيع والتمزيق والتحريق أهون والله من الشرك بالله، ولذلك كان يوصي به صلى الله عليه وسلم الناس دائماً.
وعند مسلم في صحيحه , أن الرسول عليه الصلاة والسلام سمع رجلاً في جوف الليل يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
فقال: {نجوت من النار ورب الكعبة} لأنه قالها مخلصاً من قلبه, أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم عرف أن ذلك الرجل سوف يقوم بمؤدى لا إله إلا الله، وإلا فلا إله إلا الله وحدها لا تكفي إلا بعمل.
عند البخاري في الصحيح أن وهب بن منبه قال: لا إله إلا الله كالمفتاح والفرائض كالأسنان، فأنت إذا جئت بالمفتاح بأسنان فتح لك الباب (الجنة) وإذا أتيت بمفتاح بلا أسنان لم يفتح لك الباب.
فلا إله إلا الله محمد رسول الله هي من أعظم ما أوصى بها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم الناس، ورسالته تكمن في هاتين الكلمتين، قال ابن القيم: " هي تجريد العبودية لله وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ".
فالعبودية لله بلا شرك, والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ألا تجعل لك قدوة مع الرسول صلى الله عليه وسلم غيره من الناس: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21].
وضمام بن ثعلبة كما جاء في الحديث المشهور, وهو يكرر دائماً لعظمه، ولذلك أورده البخاري في كتاب العلم, ومسلم في كتاب الإيمان، وشرحه الشراح, واعتنى به أهل العلم من أهل التصنيف: كان عليه الصلاة والسلام جالساً بعد صلاة العصر, فوفد ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر على راحلته فقال: أين محمد بن عبد المطلب؟ هو ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم، لكنه تجّوز إلى جده؛ لأن جده أشهر في العرب من أبيه، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم يوم حنين: {أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب}.
قالوا له: هو ذاك الرجل الأبيض الأمهق المرتفق, فتخطى الصفوف وأخذ ينادي: يا بن عبد المطلب.
أتى على حاله من البادية، وأهل البادية أهل جفاء إلا من رحم ربك، أتى بأحذيته يتخطى الصفوف, يضرب هذا ويصفع هذا ويرد هذا ويقول: يا محمد، يا بن عبد المطلب ولم يقل: يا رسول الله! والله يقول: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [النور:63] فلما اقترب قال عليه الصلاة والسلام: نعم.
قال إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد عليّ -يقول: سؤالي صعب وشديد وشاق فلا تغضب علي- قال: سل ما بدا لك.
قال: يا رسول الله! من رفع السماء؟ قال: الله.
قال: من بسط الأرض؟ قال: الله.
قال: من نصب الجبال؟ قال: الله.
قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ وكان صلى الله عليه وسلم متكئاً فتربع واحمر وجهه من عظم السؤال وقال: اللهم نعم.
قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم.
فأخذ يسأله حتى انتهى من أركان الإسلام فتولى وفك عقال ناقته وقد تعلم الإسلام فيما يقارب العشر الدقائق! وركب الناقة وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص, أنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر؛ فتبسم صلى الله عليه وسلم للناس وقال: {من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا} وقال في لفظ آخر: {أفلح ودخل الجنة إن صدق} إن كان صدق على ما قال من إعطائه العهد والميثاق والملازمة وأخذ الضمان عليه أنه سوف يوفي حقوق الله وحقوق الدين فسوف يدخل الجنة لا محالة.