وأقرب العباد من الواحد الأحد أكثرهم عبادة، وأبعدهم منه أكثرهم معصية، وقف ثلة من الصحابة على باب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يستأذنون يوم الندوة، يوم المؤتمر الذي يعقده أمير المؤمنين كل سنة، وأردوا الدخول فمن هم هؤلاء الثلة؟ وما هي مواصفاتهم؟ وما هي مؤهلاتهم التي يدخلون بها على عمر بن الخطاب؟
هم أبو سفيان بن حرب قائد قريش في حروبهم مع رسول الهدى صلى الله عليه وسلم؛ من بني عبد شمس، أسرته من أرقى أسر العرب في النسب، وسهيل بن عمرو خطيب العرب، والحارث بن هشام وقف هؤلاء الثلاثة وبجانبهم بلال بن رباح , العبد، المولى، الرقيق، الحبشي، وصهيب الرومي وسلمان الفارسي وابن مسعود الراعي, فطرقوا الباب مستأذنين في دار القضاء.
ودار القضاء حول المسجد النبوي، لا يحضرها إلا جلة الناس، وكبراؤهم وعلماؤهم في عهد عمر رضي الله عنه وأرضاه، كان يدخل أقرب الناس من الله، فيدخل بقية العشرة، ثم يدخل أهل بدر على منازلهم، ثم يختار من الناس.
فخرج الحاجب وقال: من بالباب؟ فقال أبو سفيان: أخبر أمير المؤمنين أنَّا هنا.
قال: من أنتم؟ فعدوا له أسماءهم؛ فعاد إلى عمر وأخبره، قال: ائذن لـ بلال بن رباح فليدخل، ثم قال: أدخل صهيباً، فدخل.
ثم قال: أدخل سلمان؛ فدخل.
ثم قال: أدخل ابن مسعود فدخل.
ثم لما أدخل هؤلاء قال أبو سفيان -وقد اشتد غيظه-: والله الذي لا إله إلا هو ما ظننت أنه يطول بي حتى يدخل هؤلاء الأعبد قبلي على عمر بن الخطاب.
لماذا؟ لأنه يزن الأمور بميزان الجاهلية، لا زال في ذهنه وظر من أوظار الجاهلية، أما عمر رضي الله عنه وأرضاه فإنه يزنهم بالكتاب والسنة، فقال سهيل بن عمرو وكان عاقلاً: يا أبا سفيان! والله ما علي من باب عمر ومن إذن عمر، ولكن أخشى أن يدعون يوم القيامة فيدخلون الجنة ونترك، إنهم دعوا فأجابوا وأبطأنا، وعرفوا وأنكرنا، وتقدموا وتأخرنا.
فانظر كيف جعل عمر رضي الله عنه وأرضاه مؤهلات الناس بتقوى الله عز وجل ليس إلا!
ولو كانت القيم تقاس بقانون هتلر أو نابليون أو لينين أو ماركس لكان لـ بلال مواصفات أخرى لأنه أسود، لكن عمر رضي الله عنه وأرضاه في دولته ما ارتضى هذا، رأى أن بلالاً ينبغي أن يقدم على هؤلاء جمعياً؛ لأنه كان سابقاً إلى الإسلام.
هل نسي المسلمون كلمة "أحد أحد" يصهر على الرمال، ويضرب، ويسحب، ويجلد، ويقولون له: تنازل عن معبودك فيقول: أحد أحد.
أحد رميت بها بكل معطل تشفي بحول الله قلب معلل
فلهذا كان هذا الرجل مقدماً لأنه عرف الطريق إلى الله.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً مع أصحابه فقال: {دخلت الجنة البارحة فسمعت دفي نعليك يا بلال! -أي: خشخشة الحذاء- فماذا تصنع؟ قال بلال رضي الله عنه وأرضاه: والله يا رسول! الله ما كنت كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة, ولكن ما توضأت وضوءاً في ليل أو نهار إلا صليت بعده ركعتين}.
ما قال: لأنني ذو مال أو ولد أو منصب أو جاه, فلا جاه ولا ولد ولا منصب ولا مال، جاهه تقوى الله، ومنصبه لا إله إلا الله، وزاده لا حول ولا قوة إلا بالله، ومركبه آمنت بالله، وهو نداء الحق الذي يبعثه من منائر المسلمين، ويقع في الآذان التي تريد أن تحيا، هذا هو القريب من الله عز وجل.