ولما رأى النصارى -أهل الصليب- ألَّا حيلة لهم ولا قوة بقتال المسلمين، كتبوا رسالة إلى عمر وقالوا: نريد أن تفتح أنت بيت المقدس، أن تأتي أنت لاستلام المفاتيح، ووافق عمر، وانطلق عمر من المدينة فشاوره علي، قال: نرى أن يصحبك منا وفد -أي: حرس موكب- قال: لا.
من لم يصحبه الله فلا يصحبه أحد!
يقول: الله رفيقي {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40].
قالوا: يا أمير المؤمنين! إنك تفد على قومٍ كثر من الصليبين، ونريد أن تكون لك شارة، قال: لا شارة لمن لا تقوى له، ثم قال قولته المشهورة: [[نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام, ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]] وأتى بمولاه، وقال: تذهب معي؟ قال: معك يا أمير المؤمنين! فأخذ عمر الجمل، وقال لمولاه: تركب أنت عقبة وأنا أركب عقبة، أنت وقتاً وأنا وقتاً.
قال: يا أمير المؤمنين! لا يصلح هذا، أنت أمير المؤمنين، قال: أما تتعب أنت كالناس؟ أي: أنت ألست كالبشر؟ قال بلى، قال: والله لتركبن عقبة، وأنا أركب عقبة فركب المولى وقاد عمر، فإذا انتهى ركب عمر، وقاد المولى الجمل، واقتربوا من مشارف بيت المقدس، وخرج الأمراء يستقبلون عمر: عمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة وأبو عبيدة ويزيد بن أبي سفيان، والسادة والجحافل، وطوابير الجيوش تصطف كأنها الجبال، هذا جيش عمر، فأتى عمرو بن العاص قال: يا أمير المؤمنين! خيبتنا أتيت بهذا الزي، قال: [[اسكت نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]].
قال: يا أمير المؤمنين! ألا نهيئ لك من يحرسك؟ قال: لا.
فشق الصفوف، وسلم على أبي عبيدة، وقال لـ أبي عبيدة: تعال يا أبا عبيدة أبكي أنا وإياك على عهودنا التي خلفناها, أو التي خلفنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-أي: تعال أبكي أنا وأنت التقصير، تعال أنا وأنت نتذكر الأيام التي عشناها مع الرسول صلى الله عليه وسلم- فلما انتهى استمر في الطريق، وخرج النصارى عن بكرة أبيهم في بيت المقدس، على شرفات المنازل، خرج الأطفال، خرجت النساء والرجال، خرجت الدنيا لترى من هو هذا الإنسان، هل هو بشر يمشي على الأرض؟ من هو صاحب هذا الصيت الذي دوخ الدنيا؟
من هو هذا الذي يفتح الدنيا وهو في المدينة؟
من هو هذا الرجل الذي أدخل الله رعبه في قلوب الملوك؟