الأمر الثاني: قلة الطاعات، وقد تدخل تبعياً في مسألة ضعف الإيمان، لكن لها انفصال من جانب آخر، والحق أن نقول: اللاطاعات، فنحن ليس عندنا نصيب للقبر، ولا أعمال صالحة، إلا من رحم ربك، تصور كيف نعيش مع القرآن؟ وكم يأخذ القرآن من أوقاتنا؟، وكيف نتدبر ونعمل بالقرآن؟ والله عز وجل جعل السعادة في القرآن، ويوم أعرضنا عن القرآن وقعنا فيما وقعنا فيه من غضب الواحد الديان، قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88].
وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29].
وقال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24].
وقال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82].
أنا أعرف قطاعاً هائلاً من شباب الإسلام حتى من الملتزمين من لا يقرأ في اليوم إلا صفحات من القرآن ببرودة ووسوسة وذهول وشرود، ولكنه يقرأ من المجلات والجرائد، والنشرات والصحف والكتب ما الله به عليم.
يا أمة القرآن: يا أمة أرسلها الله بالقرآن لتزرع الإيمان في النفوس! يا أمة جعلها الله رائدة بهذا الكتاب العظيم! ما لنا نعرض عن القرآن؟! مالنا نريد كتاباً آخر؟! أين القرآن.
أتهجرون كتاباً بين أظهركم لو كلم الذكر جلموداً لأحياه
وكان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كما قال صاحب هذه المنظومة:
عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه
وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون لقياه
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه
أما قلة الطاعات، فتتصور في قلة النوافل، يقول الذهبي في سيرة الإمام أحمد: كان ورده في اليوم في غير الفرائض ثلاثمائة ركعة، ولذلك قال الله: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24].
وكان عبد الغني المقدسي -صاحب الكمال في معرفة الرجال - يصلي ثلاثمائة ركعة لماذا؟، لأنه صلى الله عليه وسلم يقول فيما صح عنه: {إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة}.
يقول الصحابي للرسول صلى الله عليه وسلم: أريد الجنة، قال: {أعني على نفسك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة}.
ومن قلة الطاعات: قلة الاستغفار، وقلة الذكر.
ماذا تنتظر من أشرطة ماجت في السوق في الغناء الماجن؟ ومجالس هراء، وجلسات تغضب المولى، وخرجات ورحلات ونزهات ليس فيها من الطاعة لا قليل ولا كثير، فماذا ينتظر منها؟ ينتظر قسوة القلوب، وعمى النفوس، وغياب مراقبة الواحد الأحد.
يقول الأندلسي لابنه:
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى العصيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني