من أسباب الوقوع في المخدرات: ضعف الإيمان

انقطاع الحبل بين الإنسان والواحد الديان، ونسيان الرحمن إذا خلا الإنسان بين الحيطان وفي الظلام وهذه هي قلة المراقبة، أو عدم الوصول إلى درجة الإحسان.

إن درجة الإحسان التي صحت عنه صلى الله عليه وسلم، والتي أتى بها في الحديث الصحيح هي: {أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه، فإنه يراك}.

يقول الشيخ/ حافظ الحكمي رحمه الله في الإحسان:

وهو رسوخ القلب في العرفان حتى يكون الغيب كالعيان

وهذه الدرجة نالها أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، ولذلك انتهوا عن الخمر والزنا، والربا، وعن الغناء، والفواحش، أما نحن فوجدت فينا يوم ضعف الإيمان.

أين إيماننا من إيمان أبي بكر الصديق؟! الذي دخل مزرعة رجل من الأنصار، فرأى طائراً يطير من شجرة إلى شجرة، فبكى، وقال: [[يا ليتني كنت طائراً، طوبى لك أيها الطائر! ترد الشجر، وتشرب الماء، ثم تموت لا حساب ولا عذاب]] يا ليتني كنت طائراً! هذا وهو أبو بكر الصديق!

أيضاً أين درجة إيماننا من إيمان عمر رضي الله عنه؟! يوم يقول: [[والله الذي لا إله إلا هو، لو عثرت بغلة في ضفاف دجلة -في العراق - لخشيت أن يسألني الله عنها: لِمَ لم تسوِّ لها الطريق يا عمر؟]].

يقف على المنبر، وتقرقر بطنه من الجوع، فيقول لبطنه: [[قرقر، أو لا تقرقر، والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]].

ومما نسب لـ أبي الحسن علي بن أبي طالب أنه قال -وهذا يدل على من زيادة، وعمق الإيمان، ومعرفة الرحمن-: [[والله لو كشف الله لي الغطاء فرأيت الجنة والنار، ما زاد على ما عندي من إيمان مثقال ذرة]].

يأتي أعرابي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فيقول: {يا رسول الله! أين ألقاك غداً يوم القيامة؟ أين ألقاك يوم الزحام؟} أعرابي علم علم اليقين أن القيامة سوف تقوم، وأنها لا محالة، ولذلك ينادينا الله، ويسمي يوم القيامة غداً، كأنه غداً القريب.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18].

ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71].

يقول الله لبني إسرائيل أهل المخدرات، وأهل الخمر والمسكرات، وأهل السيئات والمعاصي والمخالفات، الذين أغضبوا رب الأرض والسماوات، يقول: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13].

ويقول عن علمائهم: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5].

ويقول عن عالمهم: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:176].

يقول الأعرابي: {يا رسول الله! أين ألقاك غداً يوم الزحام؟ قال: تلقاني في أحد مواطن ثلاثة -كأن الأعرابي يتصور يوم القيامة-: إما عند الصراط، وإما عند الحوض، وإما عند الميزان}.

اللهم سلم سلم، يا شباب الإسلام! يا فتيان هذا الدين! يا حملة الرسالة الخالدة! هل جلس واحدٌ منا، فتفكر في ذلك اليوم؟ وهول ذلك اليوم؟ وشدته ورعبه؟ يقول عمر بن عبد العزيز الخليفة رضي الله عنه وأرضاه: [[والله الذي لا إله إلا هو، إنه لتمر بي الليلة، فأفكر في قيام الساعة منذ أن يبدأ الله في الحساب إلى أن يدخل الجنة قومٌ ويدخل النار قومٌ، {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] وإذا بأذان الفجر]] أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه.

نور الدين محمود -السلطان العظيم الصالح الزاهد التركي- جمع مهرجاناً يقارب ألف ألف (مليون) من الجيش، فخرج عليه أحد الزهاد، فقال:

مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور

إن قيل: نور الدين جاء مسلماً فاحذر بأن تأتي ومالك نور

حرمت كاسات المدام تعففاً وعليك كاسات الحرام تدور

من يصدق أن بعض كبار السن في مجتمعاتنا يعاقرون الخمر، يوم يقوم المتهجدون لربهم في ظلام الليل، يوم ينزل الحي القيوم إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، يوم ينادي بصوت: هل من سائل فأعطيه؟! هل من مستغفرٍ فأغفر له؟! هل من داع فأجيبه؟! هؤلاء الذين أتاهم النذير من الشيب، ألم يعلموا بقوله تعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37] فيعاقرون الخمر والقات والدخان ولعب الورقة والبلوت وكل ما يشغلهم عن الله!

يا إنسان! هل خلقت لهذه الأمور؟! إنما أوجدك الله لترفع لا إله إلا الله، وإذا بك تأتي هذه الأمور، فما هو السبب؟ وما هو السبب في وجود العطالة والبطالة في مجتمعاتنا؟ شيوخ كبار لا يذكرون الله، ولا يتنفلون، ولا يسبحون، ولا يقرءون القرآن، جلسات من الغيبة والزور، وجلسات من الفحش على المخدرات والقات؛ والمخدرات والقات سيئات تغضب الواحد الأحد، وهي مما يدمي قلوب الموحدين، لكن السبب ضعف وقلة الإيمان.

عبد الله بن أنيس - أحد الصحابة - يأتي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام -والحديث صحيح- فيرسله صلى الله عليه وسلم، ليقتل خالد بن سفيان الهذلي، فيقول: {يا رسول الله! فإذا قتلته، فما لي! قال: لك الجنة -وهو صادق، والرسول صلى الله عليه وسلم صادق، فوافق صدقه صدق المصطفى عليه الصلاة والسلام- فذهب فقتل المجرم، وأتى برأسه، فلما رآه صلى الله عليه وسلم قال لـ عبد الله بن أنيس -الشاب-: أفلح الوجه، قال: ووجهك يا رسول الله! قال صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله بن أنيس:! خذ هذه العصا، فتوكأْ بها في الجنة، فإن المتوكئين بالجنة بالعصي قليل، فأخذها، وأصبح بها وأمسى، فلما مات، أمر أن تدفن معه} لأنه علم أن من أخبره صادق، وأن من علمه صادق، وأن رسالته صادقة، قال تعالى: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:35].

يقول ابن القيم: "أنزل الله كتاباً عقداً من السماء - صكاً - أملاه بنفسه تبارك وتعالى، وأتى به جبريل، والطرف الأول محمد، والطرف الثاني المؤمنون، والسلعة الجنة، والثمن أرواح المؤمنين, فأُنزل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111] فلما أتى به صلى الله عليه وسلم -يقول ابن القيم في أثناء كلامه- فبايعه الصحابة على دفع الأرواح والأنفس، وقاموا من المجلس والبيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإذا تفرقا، فقد وجب البيع".

فلماذا وجدت المخدرات في أبناء الصحابة، أبناء الذين حملوا الرسالة؟ إنه ضعف الإيمان، وسبب ضعف الإيمان: قلة التربية، كيف قلة التربية؟

ثلاثة يسألون يوم القيامة عن تربية أبناء المسلمين، من هم؟

المسئول الأول: الأب في البيت، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] {كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته} أبٌ ما أدْخَل الإيمان في قلب ابنه، أبٌ ما غرس لا إله إلا الله في نفس ولده، أبٌ ما راقب ابنه في الصلوات، ولا في الأوقات والجلسات، ولا فيما يقدم له ولا فيما يؤخذ منه، ومن يصاحب، ومن لا يصاحب أبٌ عاطل في البيت، أحضر الخبز والماء، وأحضر الخضروات والفاكهة، وألبس ابنه أحسن الثياب؛ ولكنه ما منحه الإيمان والعمل الصالح.

والمسئول الثاني: أستاذ يدرس أبناء المسلمين لا يحمل إيماناً ولا رسالة، فخرَّج طلبة، إذا سألت الطالب منهم: ما هوايتك في الحياة؟ قال: هوايتي جمع الطوابع والمراسلة، وصيد الحمام والدجاج والأرانب.

أبناء خالد بن الوليد الذي خاض مائة معركة، وتكسرت الرماح في يده، ليرفع لا إله إلا الله، أبناء عقبة بن نافع الذي وقف على المحيط الأطلنطي وقال للبحر: [[والله لو أعلم أن وراءك أرضاً، لخضتك بفرسي؛ لأرفع لا إله إلا الله في تلك الأرض]].

يرجعون إلى أن تكون أمنياتهم جمع الطوابع والمراسلة، وضرب العود والغناء، والنجوم اللامعة في الفن، وهي نجوم مظلمة، قال تعالى: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40].

أستاذ يأتي إلى الفصل يلقي المادة، لكنه بلا إيمان، إما أنه يريد راتباً أو شهرةً أو يقضي وقتاً، فيقدم مادته باردة لقلوب باردة، فتموت القلوب، فتخرج ميتة، وتقع في المعاصي.

والله أمر بإحياء القلوب، قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122].

يقول شوقي للرسول عليه الصلاة والسلام:

أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم

بإذن الله.

يقول: إن كان عيسى يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، فأنت أحييت قلوباً كانت ميتة.

هذا كله بسبب ضعف الإيمان، نحن نتحدث في الدنيا، ولكن الآخرة ليس لها وقت عندنا؛ ولذلك وقع كثير من الشباب في المعاصي والمخدارت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015