المسألة الخامسة عشرة:
مناظرة العالم لمن هو أعلم منه، والابن أباه، على المسلم أن يتواضع وأن يقبل الحق من أي أحد، وللتلميذ أن يسأل الشيخ، يقف التلميذ ويقول للشيخ: كيف تفعل كذا وكذا؟ ولذلك يقول أحد الصوفية: لا يفلح التلميذ إذا قال لشيخه: لماذا هذا الأمر؟ قال الذهبي معلقاً عليه: والله يفلح ثم يفلح والدين عند الصوفية ألا ترفع أذنك ولا رأسك ولا عينك، وكل ما يقال لك تأخذه، ولذلك تطمس عندهم الذاكرة، وهذا دين النصرانية فهم يؤمنون بأن الواحد ثلاثة، وإذا قلت: لماذا؟ قالوا: أنت لا تصلح في الكنيسة، أنت نجس! مع أن الطفل الذي عمره ثلاث سنوات يعرف أن الثلاثة ثلاثة، لكن هم يقولون: الواحد ثلاثة، إذا قلت: لماذا الواحد ثلاثة؟ قالوا: أنت لا تصلح للنصرانية، بينما الله عز وجل ذكر لنا العقل في القرآن قال: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] وقال: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148] يقول: أي إنسان يريد أن يجادلك في مسألة، قل: هل عندك دليل؟ عليك بالدليل حتى ولو كان من كان، ولو كان شيخ الإسلام ابن تيمية، إذا جاء بمسألة؛ لك أن تمسك بتلابيب ثوبه بلطف، وتقول: يا شيخ الإسلام يا ابن تيمية! ما هو دليلك في هذه المسألة؟ هل عندك دليل من المعصوم صلى الله عليه وسلم، فأي إنسان لا يمكن أن يشرع في الدين، إذا قال لك أحد: هذه المسألة الصحيح فيها كذا وكذا، فتقول: لماذا الصحيح فيها؟ قال: لأن فلاناً فعله، وهل فلان مشرع، هؤلاء يحتج لأقوالهم ولا يحتج بأقوالهم، هم بحاجة إلى أن نبحث لهم عن أدلة من الكتاب والسنة، ولسنا بحاجة إلى أن نجعل أقوالهم أدلة ,ولذلك الهدهد جاء من اليمن، ووقف عند سليمان الملك، سليمان العظمة والعزة عليه السلام، الذي يقول: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص:35].
لذلك نسب إلى الحجاج نسأل الله العافية، يقول: أظن، سليمان كان فيه حسد، قالوا: استغفر الله، قال: نعم، يقول: {وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص:35] نعوذ بالله وعليه من الله ما يستحقه، بل سليمان أراد الملك ليسخره في طاعة الله عز وجل، فلما أتى الهدهد قال: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ} [النمل:22] يقول: عندي علم، وعندي شيء أنت ما أدركته، فتواضع له سليمان عليه السلام.
إذاً: فالعالم يباحث ويسأل، وإذا رأيت الأستاذ والمدرس والمعلم في الفصل يلغي الأسئلة، ويلغي الحوار فاعرف أنه لأحد سببين:
إما أنه فاشل ليس عنده من العلم شيء، فلا يريد أن يفضح نفسه بين الناس، أو أنه دكتاتوري ظالم، يريد أن يفرض سيطرته في الفصل ويلغي عقول الناس، يقول لخمسين تلميذاً أو ستين أو مائة بعد أن يلغي إرادتهم تماماً: هذا الحق الموجود، فإذا رفع أصبعه قال: اسكت، خذ هذا وفي الامتحان تجيب بهذا.
وإلا فالرسول عليه الصلاة والسلام أعلم الناس وأهداهم وأفقههم وأخشاهم، سأله الصحابة وأجاب، وسأل الأمم أنبياءهم بلا تعنت وأجابوا، وسأل التلاميذ علماء الإسلام فأجابوا، فالسؤال للتعليم وارد.