المسألة الخامسة: فحج آدم موسى، بالرفع: (آدمُ) أهل السنة يقرءون {فحج آدمُ موسى، فحج آدمُ موسى، فحج آدمُ موسى} بالرفع، أي أن الغلبة كانت لآدم على موسى، وأن المغلوب في هذه المناظرة هو موسى، لكن أهل البدعة يقولون: {فحج آدمَ موسى، فحج آدمَ موسى، فحج آدمَ موسى} أي أن آدم مفعول به محجوج مغلوب، وأن موسى غالب، فيريدون الاستدلال على ألا قضاء ولا قدر، وهم القدرية والأصل عنهم أنهم ينكرون الحديث، ومنهم المعتزلة أو القدرية، الذين نفوا القدر، وأن الله عز وجل خلق الأمور هكذا بلا سابق قضاء ولا تقدير وأنها تحدث بالصدفة، نجاحك -مثلاً- صدفة، ليس بقضاء وقدر، وفرقة: القدرية نشأت واستمر مريرها، وهي من أخطر الفرق على الإسلام، وفي أول حديث من صحيح مسلم أن يحيى بن يعمر وصاحبه وفدا إلى المدينة قالا: فوجدنا ابن عمر رضي الله عنهما، قال: فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن ميسرته والآخر عن ميمنته، فقلت: يا أبا عبد الرحمن! إن عندنا قوماً في العراق يقولون: إن الأمر أُنُف -معنى أُنُف أي أن الأمر مستقبل لم يكتب الله علم المقادير ولا القضاء- فما حكم هؤلاء؟ أو كما قال، قال ابن عمر: أخبرهم أنهم براء مني وأني منهم بريء، والذي نفسي بيده لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهباً وفضة ما قبل الله منه عملاً حتى يؤمن بالقضاء والقدر ثم أتى بحديث جبريل الطويل وفي آخره: وأن تؤمن بالقدرخيره وشره، هذا الشاهد.
والقدرية يقولون: لا قضاء ولا قدر، وكذبوا لعمر الله وخسروا وأخطئوا خطأً بيناً وغلطوا غلطاً فاحشاً، وقابلتهم فرقة أخرى هي: الجبرية وهم يقولون: العبد مجبور على المعصية، أي: يقولون للزاني: سامحك الله أنت مصيب؛ لأن الله كتب عليك وأنت مجبور وأنت نفذت أمر الله، ويقولون لشارب الخمر: أنت نفذت أمر الله فلست بملام فأنت مجبور على هذا العمل، فأخطأ هؤلاء وهؤلاء، وتوسط أهل السنة وهداهم الله لما اختُلِف فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
قال أهل السنة: للعبد مشيئة، ولله مشيئة، ومشيئة العبد داخلة تحت مشيئة الله عز وجل، والله عز وجل كتب كل شيء الطاعات والمعاصي، لكن لا يجبر الله أحداً على المعصية، ولذلك يقول ابن تيمية: بعض الناس من أهل البدعة، قدري في الطاعة جبري في المعصية، تقول: لماذا لا تصلي مع الناس صلاة الفجر؟ قال: كتب الله عليَّ ألا أصلي صلاة الفجر، فإذا قلت له: لماذا شربت الخمر يا بعيد؟ فيقول: كتب الله علي أن أشرب الخمر، فقال: هو قدري في الطاعة لأنه ينفي القدر، وجبري في المعصية لأنه يقول بالجبر، والقدرية يستدلون بفعل موسى عليه السلام، فيقولون: إن موسى ينفي ويعارض القدر، وكذبوا.
والجبرية يقولون: آدم يقول أنا مجبور على هذا الفعل فيستدلون بالجبر وسوف يأتي موقف أهل السنة من ذلك بإذن الله.