من ميزة هذه الأمة أنها تتواصى, وأنها لا تدفن الأخطاء وتقول: كل شيء على ما يرام, ولا تجامل, ولا تحابي في دين الله.
إذا رأينا الخطأ مثل الجبل وقلنا: كل شيء جيد وحسن؛ فإن هذا يعتبر خيانة, وعند ابن حبان عن أبي ذر قال: {أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن أقول الحق وإن كان مراً} فالحق مر وأحياناً يذهب الرءوس, ويزهق النفوس, ويسيل الدماء لأنه مر.
يقول أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري شيخ الإسلام الهروي: قدمت رأسي للسيف خمس مرات, كانوا يضعون السيف تحت أذني من أجل ألا أهاجم أو أسب المذاهب الأخرى فما رجعت.
وذلك لأنه يريد أن يقول الحق.
فقل الحق ولو كان مراً، وهذا هو الذي جعل ابن تيمية مصفداً في الحديد في قلعة دمشق والإسكندرية , وفي كل مكان لأنه يقول الحق, أما الذي لا يقول الحق فإنه لا يؤذى.
فقول الحق والتواصي به صعب, ولا بد أن يقال ولكن بلين.
ومن صفات هذه الأمة أنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وهو من التواصي, وعند البخاري عن جرير بن عبد الله البجلي قال: {بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وشرط عليّ والنصح لكل مسلم} وعند مسلم: {الدين النصيحة, الدين النصيحة, الدين النصيحة, قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم}.
والتواصي ألاَّ نسكت على الأخطاء, لأن الشر يعم والخير يخص: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} [هود:116].
فسُبحَانَهُ وَتَعَالى يقول: فهلاّ كان منكم عصابة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر؟
ويقول لوط لقومه: {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود:78] , ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وأَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} [الأعراف:165] فما نجى الله إلا من أمر ونهى, وقد وصف عليه الصلاة والسلام من يأمر وينهى الأمة بالسفينة التي لو ترك فيها الأشرار لخرقوها، وكذلك سفينة الأمة إذا تركت للسفهاء والأنذال والمحرومين والمخذولين خرقوا شرع محمد صلى الله عليه وسلم وتحطمت وخسرنا هذا الدين بسبب أننا سكتنا.
والساكت عن الحق شيطان أخرس, والناطق بالباطل شيطان ناطق, والناطق بالحق على لسانه ملك يؤيده, وهؤلاء أتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب:39] وهو البلاغ الذي قال عنه عليه الصلاة والسلام كما عند أبي داود: {بلغوا عني ولو آية} , وقال: {نضَّر الله امرأً سمع مني مقالة فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع}.
وأكثر الناس الآن محبوسون في الشعير, هذه الأكياس التي تباع للغنم وتوزع في السيارات فيتضاربون عليها، فأكثرهم الآن محبوس في كيس شعير, أو قطعة أرض, أو في غنم أو تيوس, أو محبوس من أجل عادة أو طريق بينه وبين جاره, وهذه التضحيات وعالم الضحيات من أجل البطون والقدور, وهم شهداء الشعير الذين إذا ماتوا شهدت لهم أكياس الشعير يوم العرض الأكبر, بأنهم قدموا منهجهم من أجل أكياس الشعير, وصدق فيهم محمد إقبال إذ يقول:
ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى
أم من رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا
ولذلك بعض الناس الآن تعال وخذ متراً من أرضه, والله لا تستطيع، ويسيل دمك في الأرض, ويقاتلك بمسدسه الأسباني رقم تسعة، لأن الأرض أرضه.
فإن الماء ماء أبي وجدي وبئري ذو حفرت وذو طويت
لكن يُستهزئ بالدين, يقول: للدين رب يحميه, مثل عبد المطلب أتى أبرهة ليحطم الكعبة فقال: رد لي إبلي أما البيت فله رب يحميه, فإبلي لي وأنا رب الإبل.
فالناس يقولون الشعير شعيرنا, والدين لربنا, والمساجد لله، والذي يستهزئ بالرسول صلى الله عليه وسلم كل يلقى عمله عند الله, والذي يستهزئ بالقرآن الله يحاسبه ولا نتدخل فيه, والذي يسب الإسلام في الصحف الصباحية ويستهزئ بالدين في الملاحق الرياضية, فالله سبحانه الحسيب وهناك جنة ونار, أما الشعير شعيرنا, والأرض أرضنا والدنيا دنيانا, فلماذا لا تغضب لدين الله عز وجل كغضبك على هذه الأمور؟ هذا الفارق بيننا وبين الصحابة, فالصحابة غضبوا من أجل (لا إله إلا الله) ونحن نغضب من أجل الشعير, هم قدموا مهجهم من أجل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] , ونحن قدمنا مهجنا من أجل الماء والطين, فالفارق بيننا واضح.
وأكثر القتلى الآن بل ما سمعنا أن أحداً قتل من أجل لا إله إلا الله! من أجل هذه الكلمة قتل من الأنصار (80%).
وهذا حنظلة الذي غسلته الملائكة -أنا لا أريد أن أذكر أباه لأنه فاسق مجرم- أتى من مكة يحرض ابنه على الارتداد عن الدين, فأخذ ابنه كفاً من التراب ولطخ به وجه أبيه وقال: اخرج يا فاسق!
لم يعد أباً له بل انقطعت هذه الأبوة وانقطع هذا النسل, الدم الضال انقطع، العرق الآثم المشئوم انفصل, أصبح حنظلة شيئاً آخر؛ فقد رباه محمد صلى الله عليه وسلم في المسجد, تزوج حنظلة وعمره عشرون وقيل أقل, بنى بزوجته وفي الصباح سمع الهتاف الخالد في أحد والملائكة تتنزل, وكان أبو سفيان يحشد الكفر ليجتاح عاصمة الإسلام, يخرج الرسول ويعلن الحرب على أبي سفيان من على المنبر, فسمع حنظلة الصياح.
وقاتلت معنا الأملاك في أحد تحت العجاجة ما حادوا وما انكشفوا
فخرج وهو لم يغتسل من الجنابة, لبس ثيابه لأن الأمر أسرع, كيف يغتسل والرسول أصبح يقود المعركة؟! الدقيقة تؤخر، فالرءوس أصبحت تقطع في سبيل الله, فأخذ سيفه بدون غمد, وذهب سريعاً إلى أحد , فقاتل وقتل قبل صلاة الظهر, والتفت عليه الصلاة والسلام إلى السماء فأشاح بوجهه وقال: {والذي نفسي بيده! لقد رأيت حنظلة بين السماء والأرض تغسله الملائكة بماء المزن في صحاف الذهب, سلوا أهله لِمَ تغسله الملائكة؟ قالت امرأته: خرج جنباً ولم يغتسل} فغسلته الملائكة قبل أن يدخل الجنة.
أملاك ربي بماء المزن قد غسلوا جثمان حنظلة والروح تختطف
وكلم الله من أوس شهيدهم من غير ترجمة زيحت له السجف
وهذا شهيد آخر مات من أجل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] أتى في الصباح فلبس أكفانه, فهذا لا يريد خط الرجعة، لأن الذي يلبس أكفانه هذا لا يريد أن يعود مرة ثانية, ترك ثيابه في البيت ولبس أكفانه وتتطيب واغتسل وأخذ السيف؛ لأنه رأى في المنام أنه أول قتيل في المعركة, فلما حضر المعركة قال: [[اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى]] فقتل, فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده! ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعته} وهو عبد الله بن عمرو الأنصاري والد جابر , فـ جابر هذا حافظ الحديث ولد هذا الذي قتل, يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {يا جابر! والذي نفسي بيده لقد كلم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان -مباشرة- فقال: تمن, قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية, قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون, فتمن, قال: أتمنى أن ترضى عني فإني قد رضيت عنك, قال: فإني قد أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً} فهؤلاء هم الشهداء, وهذا هو موكب الأمة, وهو جيل محمد صلى الله عليه وسلم.
فتجد الآن أعداء الله يقدمون من التضحيات أكثر مما يقدم أولياء الله عز وجل, كم قتل من العرب من أجل البعث! وكم قتل من العرب من أجل مذهب ماركس؟
ألوف مؤلفة من أجل أن يبقى مذهب لينين -"لا إله والحياة مادة"- في الأرض, والوطنيون حزب الطليعة والصاعقة.
ناصريون نصرهم أين ولى يوم داست على الجباه اليهود
ويقول الآخر:
وَحدَوِيوُّن وهذا يقول: المظلة العربية الدم العربي الأخوة العربية.
وحدويون والبلاد شظايا كل جزء من لحمها أشلاء
ماركسيون والجماهير جوعى فلماذا لا يشبع الفقراء
لو قرأنا التاريخ ما ضاعت القدس وضاعت من قبلها الحمراء