إن هؤلاء الذين أتوا بالإيمان الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم, والإيمان سهل إنما عقدته الثقافة العصرية الحديثة, حتى أصبح معقداً, لأن الشباب والأطفال في سن الفهم وسن حفظ القرآن والسنة أُشغلوا بدرس وزرع وخاط وأكل وشرب, وطه والطبلة كان لطه طبلة يضرب عليها, فلمّا بلغوا سن الفهم لم يحفظوا من المتون شيئاً وليس عندهم إلا طه والطبلة, والرسول صلى الله عليه وسلم في هذا السن لقن أصحابه وغرس في قلوبهم عقيدة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] فكانت تسري في دمائهم قوية كالبركان, صادقة كالفجر, واضحة كالشمس.
فالإسلام سهل والإيمان بسيط يُتعَلم ولو في دقائق, كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعرض الدين عرضاً موجزاً, أتاه ضمام بن ثعلبة , قال: {يا رسول الله! إني سائلك ومشدد عليك في المسألة -والحديث في الصحيحين - قال: سل ما بدا لك -وضمام هذا إعرابي من الطائف أقبل بناقة فعقلها في طرف المسجد وتخطى الصفوف بسرعة- قال: من رفع السماء؟ قال صلى الله عليه وسلم: الله}.
وهذا الأعرابي يعرف أن الله هو الذي رفع السماء: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:25] لكنه يأتي بمقدمات حتى يصل إلى نتيجة, وهذا أدب الحوار, ولذلك قال أنس: [[ما رأينا وافداً مباركاً كـ ضمام بن ثعلبة]]؟
فمن أدب الحوار أن تبدأ مع من تحاوره أو تجادله بقضايا مسلمة تشترك أنت وإياه في الإيمان بها, فقال: {من رفع السماء؟ قال: الله, قال: من بسط الأرض؟ قال: الله, قال: من نصب الجبال؟ قال: الله, قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ فاتكأ عليه الصلاة والسلام وقال: اللهم نعم} كان يخاف أن يقول من نفسه هل أنت رسول، أو أنت رأيت أنك تأتينا وتقول: أنك مرسل، أو أنك تريد أن تملك العرب أو ماذا تريد {ثم قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم -فسأله عن أركان الإسلام كلها فلما انتهى- قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص, أنا ضمام بن ثعلبة -هذه هي البطاقة الشخصية- أخو بني سعد بن بكر , ثم ولّى وفك عقال الناقة وركبها, فقال عليه الصلاة والسلام: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا}.
هذا هو الدين والإسلام؛ فالإيمان يعرض في دقائق, ويفهمه الناس ويخرج هؤلاء الأعراب علماء للناس, يعلمونهم أمور الدين, يقول عمر: [[نهينا عن التكلف]].
{إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر:2 - 3] والإيمان عند أهل السنة: "قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان".
والمرجئة قالوا: "اعتقاد بالجنان وقول باللسان".
والكرامية قالوا: "قول باللسان فحسب".
وأخطأت المرجئة وأخطأت الكرامية وأصاب أهل السنة.
فالإيمان اعتقاد بالجنان: أي أن تعتقد وحدانية الواحد الأحد، وأن تصدق بما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام, وإلا فالذي يصلي ولا يؤمن بالله منافق, لا تعذره صلاته، وإنما يرفع السيف عنه في الدنيا وهو في الآخرة خالد مخلد في النار, في الدرك الأسفل من النار: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1] لأنهم أظهروا شيئاً وأبطنوا شيئاً آخر, فهذا الاعتقاد بالجنان.