وقد أثيرت هذه المسألة كثيراً، ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم أن يرفع يديه في الدعاء بعد الصلاة، فلم يفعله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه الأخيار، قال ابن القيم: من داوم على ذلك فقد ابتدع، و {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} بل كان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الدعاء بعد الصلاة، فقد جاء في سنن أبي داود بسندٍ صحيح: {يا معاذ إني لأحبك، لا تدع في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك} قال ابن تيمية: الدبر قبل السلام، ودبر الشيء منه، ودبر الحمار فيه.
وقال ابن حجر في الفتح: أخطأ ابن تيمية لما قال: دبر الصلاة قبل السلام، بل الصحيح أنه بعد السلام.
والحق مع ابن حجر، والله أعلم.
ولو أن محبة ابن تيمية أكثر من ابن حجر!! لماذا؟ أولاً: حب من الله لمنزلته في الإسلام.
الأمر الثاني: أن ابن تيمية سلفي العقيدة، وابن حجر كان يؤول بعض الصفات، ويجب أن ننزل الناس منازلهم، فنترحم على ابن تيمية ونترحم على ابن حجر، ونسأل الله أن يجمعنا ب ابن تيمية وبـ ابن حجر في دار الكرامة، لكن الحق -إن شاء الله- في هذه المسألة مع ابن حجر؛ لأن الدبر خارج الصلاة، ومن دعا قبل السلام فقد أصاب، ومن دعا بعد السلام فقد أصاب، والمسألة سهلة.
وقد انتقد ابن حجر على ابن تيمية ثلاث مسائل فأصاب فيها:
منها هذه المسألة والمسألة الثانية: يقول ابن تيمية: لم يؤاخِ الرسول صلى الله عليه وسلم بين الصحابة إلا في المدينة.
وقد آخى بين بعضهم في حديثٍ صحيح في مكة.
المسألة الثالثة: قال ابن تيمية: لم يأتِ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال في التشهد: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنما كان يقول: اللهم صلِّ على محمد يقول: وبارك على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وإذا قال وعلى آل محمد ما يأتي بالأخرى.
قال ابن حجر: بل أتت في الطبراني، وساق الأحاديث بالأسانيد الصحيحة، فصح كلامه.
وربما أتى المفضول بشيءٍ أعظم مما يأتي به الفاضل، وذهب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى بالكمال، وإنما تأتي هذه الأمور من العلماء ليظهر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى بها كماله عز وجل.
ولا تتعجبوا أن يختلف بعض طلبة العلم من المبتدئين من أمثالنا والمقصرين، فقد اختلف الأئمة، كالإمام مالك وأحمد والشافعي وأبي حنيفة، ولـ ابن تيمية رسالة اسمها: رفع الملام عن الأئمة الأعلام.
وقد اعتذر فيها للأئمة الأربعة لما اختلفوا في بعض المسائل ولغيرهم، وأتى من الأعذار أن بعضهم بلغه الحديث وبعضهم لم يبلغه، وبعضهم يكون الحديث عنده منسوخاً، وبعضهم يكون عنده ثابتاً، وبعضهم يصح عندهم الحديث وبعضهم لا يصح، وبعضهم يفهم غير الفهم الذي فهمه ذاك، وغيرها من الأعذار.
فأقول: قد يكون كثير منكم من يخالف في المسائل التي ذهبت إليها، فلا يعنف أحد على أحد، وله أن يذهب إلى ما رأى وربما يكون قوله هو الأصوب، وقد قيل لـ ابن تيمية: لماذا لم تؤلف في الفرعيات؟ فقال: الفروع سهلة، وأي رجلٍ عمل بما قاله بعض أهل العلم فقد أصاب.
ولكن الأصول هي المهمة، وهي العقائد.