يأتي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة بعد أن حفر الخندق، وهبت ريح شديدة وأظلم الليل وتحزب الأحزاب حول المدينة، فيقول: {من يأتيني بخبر القوم -يعني: الكفار- وله الجنة؟ فسكت الناس} لأنهم في جوع وخوف وقتل، والليلة مظلمة حتى يقول حذيفة والله إني أمد يدي فما أراها.
قال عليه الصلاة والسلام: {من يذهب إلى الكفار وأضمن له الجنة؟ فسكتوا جميعاً، فقال عليه الصلاة والسلام: أين حذيفة؟ وهو وسط الناس جائع في قتال وخوف قلت: سمعاً وطاعة لبيك يا رسول الله! قال: اذهب إلى القوم}.
قال: فذهبت مرة أحبو ومرة أمشي، حتى نزلت من عند الخندق فأتيت إلى القوم وهم في شر ليلة، الرياح ما تركت لهم قدراً إلا أكفأته ولا خيمة إلا اقتلعتها، ورأيت أبا سفيان وحوله قادات المشركين، فسمعت أبا سفيان يقول: يا أيها الناس! إني لا آمن من محمد أن يرسل عليناً -جاسوساً- في هذه الليلة الظلماء، فليتفقد منكم كل واحد منكم من بجانبه قال حذيفة: فأسرعت قبل أن يسرعا بي، قلت: لمن بجانبي من أنت قال فلان؟ قلت من أنت؟ قال: فلان، قلت: اسكتا، سكتا إلى غير رجعة، فلما سكتا رجع حذيفة في الليل فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فضمن له الجنة.
وفي الصباح ينزل عليه الصلاة والسلام وإذا بصخرة من أعظم الصخرات داخل الخندق لا تدهدهت ولا تكسرت ولا اقتلعت، فأخذ صلى الله عليه وسلم المعول بيده ونزل، والمنافقون يتضاحكون ويتغامزون حول الخندق -انظر إلى النفاق أعوذ بالله منه، في الدرك الأسفل من النار- يقولون: محمد يمنينا بملك كسرى وقيصر والواحد منا ما يستطيع أن يبول بين النخل من الخوف: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} [الأحزاب:12].
فنزل عليه الصلاة والسلام فضرب ضربة فبرق بارق في الجو، وانكسرت الصخرة وقال: لقد أُريت قصور كسرى وسوف يفتحها الله علي، صدقت: بعد خمس وعشرين سنة أو أقل فتحها الله.
ثم ضرب ضربة أخرى وقال: وقصور قيصر، لقد أُريت الكنزين الفضة والذهب أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ثم تمتلك أمته قصور كسرى وقيصر بعد سنوات، {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15].
وقد تركت ما بقي من وقت لأسئلة مهمة دائماً تمر، وأعد الأخوة أن هذه الأسئلة سوف تنقح وتنقى وتأمل الإجابة لها وتعرض في دروس مقبلة إن شاء الله.
لكن أكتفي بهذه المحاضرة بعنوان من أحسن القصص، ونستمع إلى أسئلة مهمة تمر كثيراً بطلبة العلم وبالنساء.
وإن من نعمة الله عزوجل أن اهتم كثير من الناس بإحضار زوجاتهم وأخواتهم وقريباتهم؛ ليستمعوا ذكر الله وقول الله، ويحضروا مجلساً من مجالس الإيمان لعل الله أن يرزقهم توبة من الواحد الأحد.