تعالوا إلى نماذج من اللين: يأتي عليه الصلاة والسلام فيصلي بالناس، فيأتي أعرابي من الصحراء، فيصلي معه، وفي التحيات يدعو الأعرابي ويرفع صوته ويقول - انظر إلى قلة الفقه في الدين-: {اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً} فيسلم عليه الصلاة والسلام، ولينه في تصرفاته وفي كلماته شيء عجيب، فقال-ولم يجبهه بهذا-: {من قال منكم كذا وكذا؟} وهو يدري أنه الأعرابي، لكن يريد أن تأتي من الأعرابي، فسكت الناس، قال: {من قال منكم كذا وكذا؟} فرفع الأعرابي يده يتحرى جائزة، قال: أنا يا رسول الله، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: {لقد حجرت واسعاً إن رحمة الله وسعت كل شيء} {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156] فقط! {اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً} ومن أنت حتى تحجر على الأمة رحمة الله، فلا يدخل فيها إلا اثنان؟ هذا خطأ، فما يلبث الأعرابي إلا أن يكمل طريقه ومشواره، فيذهب في طرف المسجد، فيبول؛ تضيق به الدنيا إلا مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، فيقوم الصحابة يريدون أن يلقنوه درساً من التعليم لا ينساه أبد الدهر، فيقول- صلى الله عليه وسلم-: دعوه اتركوه، ويجلسهم عليه الصلاة والسلام ويستدعي الأعرابي فيجلسه بجانبه؛ الأمر أسهل من ذلك.
يقول ابن تيمية: ليس الذكي الذي يعرف الخير من الشر، لكن الذكي الفطن الذي يعرف خير الخيرين من شر الشرين.
أمر عجيب! فيجلسه، ويقول: عليَّ بذنوب من ماء، فيأتون بذنوب من ماء، فيصبونه على بول الأعرابي انتهت المشكلة، ويمسح كتف الأعرابي ويتبسم له، ويقول: {إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من الأذى والقذر، إنما هي للتسبيح والتكبير والتحميد والتهليل} فيقوم الأعرابي ويتوضأ ويصبح مسلماً، ويخبرهم- صلى الله عليه وسلم- أنهم لو ضربوه ارتد فدخل النار.