الثامن: العمل بما يدعو إليه، فإذا جوارحه تسبق لسانه، ودمعاته تسبق عباراته، وإذا هو قرآن يمشي على الأرض، وقداسة تتحرك على الكوكب، يقول للناس: صلوا، وهو أول المصلين، ويقول: اخشعوا، وهو أول الخاشعين، ويقول: تصدقوا، وهو أول الباذلين، ويجاهد ويدعو إلى الجهاد، وهو الذي يحمل السيف في أول الصفوف.
ولذلك لام الله عز وجل دعاة بني إسرائيل والمتلاعبين بالألفاظ، ومرتزقة الفكر الذين يقولون ما لا يفعلون، قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] أتعلمون الناس الفضيلة وأنتم في الرذيلة؟! أتعلمون الناس الأمن وأنتم أهل الفتنة؟! أتعلمون الناس الانضباط وأنتم أهل الهمجية؟! أتعلمون الناس البذل وأنتم أهل الإمساك؟! أتعلمون الناس الشجاعة وأنتم جبناء!
يا أيها الرجل المعلم غيره هلاَّ لنفسك كان ذا التعليم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
كان عليه الصلاة والسلام يقول كما عند البخاري في كتاب العلم: {إن أعلمكم بالله وأتقاكم لله أنا} صدقت.
أنت أتقى الناس وأعلم الناس، وأنت أخشى الناس؛ لأنك تعمل بما تقول، إن مما يفضح الدعوات ويحطم المسيرة؛ أن يرى الناس دعاة أفعالهم تخالف كلامهم، يقولون كلاماً جميلاً على المنبر لكن الفضائح تظهر في تصرفاتهم وتكذب أقوالهم على المنابر، أما الرسول عليه الصلاة والسلام فحاشا وكلا، في صحيح مسلم أن عائشة رضي الله عنها، سئلت عن خلقه عليه الصلاة والسلام فقالت: {كان خلقه القرآن}.