من المؤثرات في حياة عمر ثلاثة أسباب:
أولاً: تربية الرسول صلى الله عليه وسلم: فلقد تخرج عمر من مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، فلم يدرس في ريفرسايد، ولم يتخل عن الإسلام، ولم ينسلخ من تعاليم الدين، إنما درس هناك حيث العلم والعدل، حيث الرحمة والعفاف والنور، يقول العقاد -وهي كلمة جيدة-: "الفرق بين أبي بكر وعمر أن أبا بكر عرف محمداً النبي، وأما عمر فعرف النبي محمداً".
فما معنى هذا؟
يعني أن أبا بكر عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية والإسلام، أما عمر فبدأت الصداقة بين هذا التلميذ والمعلم العظيم بعد الإسلام، فعرفه وتتلمذ عليه.
ثانياً: أن عمر يصدر عن بطانة: فقد قرب أهل القرآن وأهل بدر، إذ كانت بطانته علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل، وهؤلاء الثلة هم النجوم الذين يستسقى بذكرهم الغمام من السماء، وهؤلاء هم البدور، ولو كانوا ملائكةً لكانوا أسمى وأجل من أن يسموا احتراماً، وإنما جعلهم الله بشراً ليتعاملوا تعامل البشر، فهؤلاء جلاسه، فكيف لا يؤثرون في سيرته؟
وكيف لا يكونون معه؟
لما تولى علي بن أبي طالب رجرجت الأمة عليه وشاغبت، فقال له أحد الناس: [[يا أمير المؤمنين! ما للناس وافقوا أبا بكر وعمر ولم يوافقوك، وأطاعوا أبا بكر وعمر ولم يطيعوك؟ قال: رعية أبي بكر وعمر أنا وأمثالي، ورعيتي أنت وأمثالك]].
ثالثاً: أن عمر رضي الله عنه وأرضاه جعل الله نصب عينيه في كل ما يأخذ ويذر، وجعل رضي الله عنه وأرضاه الخلافة مغرماً لا مغنماً، يحاسب عليها أو يقول: [[يا ليتني كنت شجرة تعضد، يا ليت أمي لم تلدني، يا ليتني ما عرفت الحياة]].
وكان دائماً باكياً خاشعاً رضي الله عنه وأرضاه، يقول عمر فيما صح عنه: [[والله لو عثرت بغلة في ضفاف دجلة , لخشيت أن يسألني الله عنها يوم القيامة لم لم تصلح لها الطريق يا عمر؟]] لأنه راعٍ, والراعي لابد أن يتعهد شئون الأمة، ولابد أن يكون واقفاً أمام الأسئلة التي يسألها الله عز وجل هذا الرجل، وإلا فما معنى أن يكون عمر خليفة؟
وما معنى أن يكون حاكماً؟
ما معنى أن يكون مسيراً للأمة إلا بهذا.
يقول ابن تيمية (28/ 146): إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة.
وهذه قضية هي في التاريخ بسمعٍ وبصرٍ من شهود التاريخ عبر قرونه.