لا نزال نعيش مع هذا السفر العظيم الذي هو كما يقول ابن تيمية: ما أعلم تحت أديم السماء أفضل، ولا أفيد، ولا أنفع من صحيح البخاري بعد كتاب الله لمن عقل ما فيه، وتدبر معانيه.
ويكفي أن نجتمع فقط، وأن نعيش هذه اللحظات مع المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإن ذكره لا يمل عند من يريد الله والدار الآخرة.
والحديث الذي معنا -وهو الحديث الأول في هذه الجلسة- هو:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: {بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم، جاءه أعرابي فقال له: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال، فكره ما قال، وقال بعضهم بل لم يسمع حتى إذا قضى حديثه، قال: أين أراه السائل عن الساعة؟ قال: هأنذا يا رسول الله، قال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة}.
لا يهمنا أن نعرف اسم هذا الأعرابي ونسبه وإلى أي قبيلة؛ فليس وراء ذلك طائل، والمهم أن نعرف العبر من هذا الحديث.
مجمل الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم جلس في مجلسه يحدث الناس، يشرح لهم أصول العقيدة، ويفيض عليهم مما أفاضه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عليه، فلما جلس صلى الله عليه وسلم وأصبح في وسط حديثه يندفع، وإذا بأعرابي جاء متأخراً يقطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث، كما يقول المثل: " أحشفاً وسوء كيلة " أي: أنه أتى في آخر الجلسة ففاته العلم، مثل الطالب يبقى خارج الفصل يدور في الممرات ويتمشى ويفطر ويتغدى، ثم يأتي في آخر لحظة فيدخل ويطرق الباب، فيقطع الدرس على الأستاذ، ثم يأتي يجلس ولا يدري ماذا شرح على السبورة وماذا قال الأستاذ؟
وأين وقف؟
وماذا رد عليه الطلبة؟
فيرفع إصبعه ويقول: عندي سؤال، من أين يسأل في هذه القضايا؟!!
وكيف يسأل؟!!
وهل يحق له أن يسأل أم لا؟!!
وهذا الحديث تربوي، وسوف تعلمون ماذا يقول أهل العلم في هذا الحديث، وما استنبطوا فيه من قضايا تفيد العالم والمتعلم، والمفيد والمستفيد: