أي ذاقها وأحسها وعاشها ووجد الانبساط والفرحة، ثم ذكر الثلاث، وهي:
الأولى: {أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما} وفي هذا الدرس قضايا:
القضية الأولى: لماذا قال صلى الله عليه وسلم: {أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما} وثنى الضمير، مع العلم أنه صلى الله عليه وسلم أنكر على ذاك الأعرابي الغطفاني حينما {قام يخطب عنده صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه، فقال صلى الله عليه وسلم: اجلس بئس خطيب القوم أنت} لماذا؟ لأنه قال: ومن يعصهما، فجمع بين ضمير الله لفظ الجلالة وبين ضمير الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {ومن يعصهما، فقال صلى الله عليه وسلم: اجلس بئس خطيب القوم أنت} وهذا الحديث في سنن أبي داود، وهو يقبل التصحيح أنه قال له صلى الله عليه وسلم اجلس؛ لأنه جمع الضمير، فكيف ينكر صلى الله عليه وسلم جمع ذاك للضمير ويأتي هنا ويقول: {أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما} فجمع صلى الله عليه وسلم هنا؟
والجواب من وجوه: قيل: إن السبب في ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعرف بمقام ربه تعالى وما يجب له من التكريم والتعظيم والتبجيل، فالرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وقالها، وأما ذاك الأعرابي فإنه أنكر عليه؛ لأن كلامه ربما يوهم المشاركة والأعرابي لا يدرك ذلك أو الناس السامعون.
وقيل: بل قال صلى الله عليه وسلم هذا الأمر؛ لأنه في مقام الاختصار والإيجاز ليحفظ هذا الحديث؛ وأما ذلك الأعرابي فإنه في مقام خطبة، فالأحسن له الأولى أن يبسط الكلام، وأن يشرح الكلام، ويتوسع فيه.
وقيل وهو الراجح: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ثنى بالضمير هنا لأن تلازم محبة الله عز وجل ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم تلازماً لا بد منه، وأما تلازم العصيان هناك فإنه قد يعصي الإنسان الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعصي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى بمعاصي منفصلة وهذا الجواب الذي سدده ابن حجر، أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم ثنى هنا وجاز له أن يثني لأن محبة الله عز وجل ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، لا بد أن تتوفر سوياً؛ لأن الله عز وجل جعل من حب رسول الله الشرط في حبه تعالى، والشرط في حُبِّه حُبُّه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31].
هذا هو الجواب وبسطه موجود هنا ولا نطيل في الوقوف عنده.