أضرب أمثلة فيما يتعلق بهذه التحولات، كنت في بلد من البلدان العربية -مثال على عدم الثبات للمبادئ حتى في حياة الناس- والتلفزيون أحد الوسائل التي تعطيك واقع البلد الذي أنت فيه، وهي حقيقة ينبغي ألا تغيب عن واقع كل الناس، إذا أتيت لبلد فافتح تلفزيونها وهو أصدق من يعطيك واقع هذا البلد، فإن كان هذا التلفزيون يعرض مبادئ إسلامية أو شيوعية، أو رأسمالية، أو العهر، أو الفضيلة، فهو أحد الشواهد القوية على ما عند هذا البلد؛ في تلفزيون تلك البلد أروي لكم والله على ما أقول شهيد، كان عنده ندوة قبل المسلسلة، والمسلسلة كما تعلمون عرف إعلامي في كل البلدان العربية، مسلسلة هو تعليم لحياة غير حياة تلك البلاد من خلال المسلسلة، يقدم في ندوة قبل المسلسلة عرض للنظام الاقتصادي اليساري الشيوعي الاشتراكي، ويقول المنتدون وهم ثلاثة: بأن هذا البلد لن يقوم الاقتصاد فيه ولن تتحقق فيه البنية الاقتصادية ولن تنهض فيه الشركات الكبرى، أو ما يسمى بالقطاع العام إلا من خلال هذا التطبيق الشيوعي، أو من خلال تطبيق نظام القطاع العام كما نص في الندوة، وينصرونه ويدافعون عنه، وأنه لا نهضة للاقتصاد إلا بإعادة النظر في الأخطاء التي تمت في التطبيقات التي في القطاع العام أو في القطاع الحكومي، أو في الملكية العامة للشعب لوسائل الإنتاج.
ندوة بنصف ساعة كلها تدور حول ضرورة أن يكون الاقتصاد اقتصاداً مبنياً على الملكية العامة، وألا تتاح الفرصة للقطاع الخاص، ولا للأفراد بأن يملكوا، لأن التجربة التي طبقت في هذا البلد هي التي جلبت النجاح، بعد هذه الندوة جاءت المسلسلة، ونترك المسلسلة لا دخل لنا بها، بعد المسلسلة ندوة أخرى، الندوة الأخرى تتكلم على أنه لا نجاح لهذا البلد إلا بتطبيق الاقتصاد الذي يعتمد على الملكية الفردية! وعلى حرية الأفراد بالتملك، وعلى أن الاقتصاد العام والملكية العامة هي التي أثرت على البلد، وأنه ينبغي أن تدفع سياسة اقتصاد السوق والانفتاح على الاقتصاد العالمي، هذا الكلام الذي سمعته في الندوتين من الناحية العلمية ومن الناحية الاقتصادية لا يقبل بأي معيار، كيف أنه في تلفزيون بلد واحد يعرض هذان النموذجان وفي ليلة واحدة؟! فهو أقوى الأدلة على أن ذلك البلد -بل ومعظم البلاد في العالم الإسلامي- لا تعيش مبادئ، بل هي في أزمة مبادئ، تعلن أنها تعيش في هذا المبدأ وتطبق مبدأً آخر، تعلن حربها على المبدأ وتطبق نفس المبدأ، تعلن أنها تلتزم بنظام معين وتمارس غيره، إذاً الدول في العالم الثالث -دول العالم العربي والعالم الإسلامي- تعيش أزمة مبادئ، لأن المبادئ لا تحكم لها تصرفاتها.
ما الفرق بين هذه التغييرات وبين ما نسميه في فكرنا وثقافتنا الإسلامية بتجديد الإسلام؟ قضية مطروحة فكرياً وهي خطيرة؟
والمثال الواضح، عندما يقول الشيوعيون العرب: بأن كارل ماركس، ومن أتى بعده في التطبيقات الشيوعية، لم يخرجوا عن دائرة الشيوعية وإنما ممارساتهم هي اجتهاد في التطبيق الشيوعي، بمعنى: أن النظرية الشيوعية باقية، وإنما هي تطبيقات، وبعض المحسوبين على المسلمين اليوم يقولون: إننا في حاجة إلى اجتهاد في الإسلام شبيه بالاجتهادات الشيوعية والرأسمالية في نظمها.