الوعي عند الإنسان سبب في انهيار الشيوعية

السبب الرابع في انهيار الشيوعية:

إن الأفراد شبوا عن الطوق، وأصبح الإنسان الآن بدرجة من الوعي، وما أصبح عبداً للإنسان، أصبح عنده تطلع على أن يعلن صوته وحواره، وأن يكون شجاعاً في كلمته، ذهب العصر الذي يجب أن يكون الإنسان فيه حيواناً، يقاد ويضرب ويعلف ويؤمر وينهى، لكن الإنسان أصبح يتطلع إلى مرحلة هي المرحلة العمرية، أتدرون ما هي المرحلة العمرية؟ إنها مرحلة الأوج والقمة التي عاشها الحوار في عهد عمر رضي الله عنه وأرضاه، ولذلك يحييه شاعر وادي النيل ويقول:

قل للملوك تنحوا عن مناصبكم فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها

يقول: رجاءً اتركوا هذه الأمور لـ عمر، يعيشها عمرية، الذي يأخذ الدنيا في ساعة، ويسلمها في ساعة، فأصبح العالم الآن يريد النظرية العمرية، نظرية أن يأتي الأعرابي في صلاة الجمعة وعمر بشحمه ولحمه ودمه وإخلاصه وصدقه وهيبته على المنبر، فيقطع عمر الخطبة فجأة ويقول للناس: [[يا أيها الناس: ماذا ترون فيَّ لو اعوججت أو قلت عن الطريق هكذا]] يعني: ملت، وخرجت عن الخط المستقيم في الاقتصاد والسياسة والعدل والحوار والحق، فقام أعرابي من أقل الناس ثقافة بمستوى ثقافة عصرهم -بدوي- ولعلها أول جمعة يصليها مع عمر، فقام من آخر المسجد فاستل سيفه، ثم قال: [[والله -يا أمير المؤمنين- لو رأيناك ملت عن الطريق هكذا لقلنا بالسيوف هكذا قال عمر p>>: اجلس بارك الله فيك، الحمد لله الذي جعل في رعيتي من لو ملت عن الطريق هكذا، لقالوا بالسيوف هكذا]] وحياه عمر وشكره على هذه المقولة.

هذا الحوار الذي أحياه الإسلام، حتى الكافر يربط في المسجد ولا يزحزح ولا يزعزعه الرسول عليه الصلاة والسلام، ويأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاقب بعض الناس قبل أن يسمعوا البرهان فيقول الله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ} [التوبة:6].

يقف عمر مرة ثانية ثم يقول: [[بسم الله، أيها الناس اسمعوا وعوا، فيقوم سلمان من وسط المسجد ويقول: والله لا نسمع ولا نعي، قال: ولم؟ قال سلمان: تلبس ثوبين وتلبسنا من ثوب ثوب]]-ثياب قدمت من اليمن في الصدقات وزعها عمر على الناس، ولكنه رجل طويل رضي الله عنه، فثوبه ما أتى إلا إلى الركبة، فأخذ ثوب ابنه عبد الله ووصله بثوبه- قال: [[يا عبد الله بن عمر! أجب سلمان، قال عبد الله بن عمر: نعم، هذا الثوب الثاني هو حصتي من المسلمين وقد دفعته إلى أبي عن رضاً من نفسي وهو حق لي أتصرف فيه كيف أشاء، قال سلمان: الآن قل نسمع ومر نطع]].

فالعالم الآن يتجه إلى النظرية العمرية، ولا يريد أن يكون مستخزياً تحت السياط والقهر والتبكيت من أي جهة كانت من الجهات.

نعم.

أدرك ذلك العالم الشيوعي، والذي يرى من الأفلام التي تصل من هناك ويراها شهود العيان، أنه لما حوصر جرباتشوف في القرم نزل المدنيون بالأبدان العارية والثياب الممزقة؛ يقفون أمام الدبابات، ويطرحون أنفسهم ويضطجعون على الأرض أمام الدبابات يعارضون الحزب الشيوعي الذي يتولى الحكم، يقولون: لا نريد جرباتشوف، إلى درجة أنك تجد هذا الإنسان المنهك الجائع المتعب الضامئ يريد أن يخالف هذا الطابور الحاشد من الدبابات.

نعم.

العالم صراحة يحقق شيئاً بنفسه بغض النظر عن الدين، لكن التعددية التي يشهدها العالم سببها أن الإنسان أصبح مثقفاً، وأصبح يدرك ويرى أن له حق الحوار، أي: من حقي أن أبدي رأيي، وأن أعلن حواري وأقول كلمتي دون أن أكون مهدداً بكرامتي أو حريتي أو دمي، فالفرق بين جرباتشوف هذا أو برجنيف أو استالين أو لينين، أنه يرى هو أنه لا بد أن نسمع الرأي الآخر، وهم يقولون: الرأي الآخر نسحقه بالدبابة.

هذا من أسباب سقوطها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015