الصنف السابع: رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين.
قالوا: هذه نهاية المراقبة لله الحي القيوم، فهي امرأة وهو مشتهٍ لها، ليس عنده أهل، ثم إنها ذات منصب، ومعنى ذلك أنه لا يخاف، فإن ذات المنصب يمكن أن تخرج نفسها وتخرجه بخلاف غيرها، وهي لا تخاف من إقامة حدود، ولا تخاف أن يظهر عليها أحد، أو يحبسها قوم، فهي ذات منصب، ثم هي ذات جمال، فهي تدعو بجمالها، لأن بعض الناس قد يترك هذه الأمور لأن المرأة ليست جميلة.
فقال: إني أخاف الله.
فكان حقاً على الله أوجبه على نفسه أن يظل هذا وأصنافه وأضرابه في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وأولهم يوسف عليه السلام، يقول ابن تيمية كما ينقل عنه ابن القيم في مدارج السالكين: فأما يوسف عليه السلام، فإن الله بلغه تلك المنزلة لأمور منها: أنه كان غريباً، والغريب لا يخاف من العار، ومنها: أنه كان أعزباً ليس عنده أهل، وهو أدعى إلى الفاحشة، أو أدعى إلى أن يتمتع، ومنها: أن المرأة هذه كانت ذات منصب، فإنها بإمكانها أن تخرجه وتخرج نفسها، ومنها: أنها ذات جمال، فهي امرأة ملك، فترك ذلك كله لله عز وجل، فكان سيد كل من دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله رب العالمين.
وذكر صاحب حلية الأولياء وصفة الصفوة: أن مسلم بن يسار أحد الصالحين، كان من أجمل الناس وهو شاب، فخرج من المدينة إلى مكة ليعتمر، فلما كان في الطريق عرضت له فتاة من أجمل الفتيات، فدعته إلى نفسها فبكى كثيراً، فاجتمع عليه أصحابه فقالوا: مالك تبكي؟ قال: لأمر.
فاستحلفوه فأخبرهم، فلما بدأ العمرة وطاف صلى ركعتين عند المقام ثم نام وهو جالس، فرأى يوسف عليه السلام كأنه يطوف، فقال مسلم بن يسار: من أنت؟ قال: أنا يوسف الذي هممت، وأنت مسلم بن يسار الذي لم يهم.
هكذا أوردها أهل العلم، وكان من أعظم المراقبة لله عز وجل أن يأتي الإنسان إلى هذه الأمور فيتذكر عظمة الله فيكف نفسه.
ولذلك يقول الأندلسي وهو يوصي ابنه:
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان
فاستح من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
وقال الأول:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل عَلَيَّ رقيب