ومن الأسباب: عدم أخذ نصح كتاب الله عز وجل وسنة رسوله، وعدم تحكيمهما في دنيا الناس وواقعهم وفي معتقدهم وعباداتهم وأخلاقهم وسلوكهم، قال: سبحانه عن أحد رسله عليهم الصلاة والسلام يوم أنذر قومه قال: {وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:79] ننصحكم صباح مساء، ولكن لا تحبون الناصحين، وقال شعيب: {وَأَنْصَحُ لَكُمْ} [الأعراف:62] {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [الأعراف:68] لكن ما قبلوا النصيحة.
دريد بن الصمة أتى عند قومه، وقبيلته من غطفان، وهو شاعر ماجد، فأتى في الليل وقال: انتبهوا! البسوا السلاح ولا تناموا هذه الليلة، العدو سوف يصبحكم قالوا: لا نأخذ كلامك وأنت شيخ قد خرفت -أي: أصابك هرم في عقلك- قال: خذوا سلاحكم، قالوا: لا نأخذ السلاح، وفي الصباح وإذا بالجيش يجتاحهم اجتياحاً هائلاً، ودائماً الهجوم ما يأتي إلا في الصباح يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على لسان لوط: {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود:81] بلى، ولذلك ليل المنكوبين طويل، إذا أراد الله أن ينكب قوماً طال عليهم الليل، وليل السعداء قصير، حتى يقول أحدهم:
لا أسأل الله تغييراً لما فعلت نامت فقد أسهرت عيني عيناها
فالليل أطول شيء حين أفقدها والليل أقصر شيء حين ألقاها
ويقول:
فقصارهن مع الهموم طويلة وطويلهن مع السرور قصار
فاجتاحهم الجيش فيقول هذا الشاعر:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد
وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرد
يقول: ناصحتهم وقلت: الجيش سوف يهاجمكم وقوته ألفين، وما يلعبون كرة، عندهم رشاشات بأيدهم، ودبابات وصواريخ.
سراتهم أي: القادة فيهم كالفرسان، من مشاش رأسه إلى أخمص قدميه لباس حديد، لكن ما اتعظوا، ثم يقول في الأخير: فأنا انهزمت معهم وما أنا إلا منهم، إن غووا غويت وإن رشدوا رشدت، وهذا خطأ، منطق المسلم لا يقول هذا، بل يقول: أبرأ إلى الله من أهل الانحراف، وأنا أتولى الله عز وجل ولا أذهب مذهب المنحرفين.
والأمم يوم تتنكر الناصحين تقع في للنكبات، يقول قوم عن نبيهم: {إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ} [المؤمنون:25] مجنون، وقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: مجنون، شاعر، كاهن، والله يقول: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير:22] واعترضوا على رسالته واختياره، {يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوّاً} [هود:62] قال بعض المفسرين: قد كنا نرجوك أن تكون عاقلاً، إذا بك تأتي تنصحنا الآن وتسب آلهتنا، كنا نأمل فيك أن تكون رجلاً عاقلاً، لكنك انحرفت.
وهم المنحرفون المهلوسون.
إذا عير الطائي بالبخل مادر وعير قساً بالفهاهة باقل
وقال السهى للشمس أنت كسيفة وقال الدجى للبدر وجهك حائل
فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل
قصة: عبيد الله بن زياد وكان رجلاً ظالماً تولى على العراق، وهو الذي دبر مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب، هل تدرون ماذا فعل؟
أمير العراق؟ يوم قطعوا رأس الحسين أتي به فأتى بكبر وعنجهية وأخذ عصا في يده ثم جعل رأس الحسين، رأس الحسين بن علي، ابن فاطمة، الذي كان يقبله الرسول عليه الصلاة والسلام صباح مساء، يقبله ويقول أبو هريرة: {رأيت الحسن على يد الرسول اليمنى والحسين على يسراه يقبل هذا مرة وهذا مرة، يقول: اللهم إنهما ريحانتاي في الدنيا، اللهم فحب من أحبهما -نشهد الله على محبتهما- فكان يقبل الحسن مرة والحسين مرةأخرى}.
هذا الحسين العابد الولي قطع رأسه عبيد الله بن زياد، ثم وضع رأسه في صحن أمامه وجمع وزراءه وحاشيته وأخذ عصا يخرجها ويقول هذا فعل بنا يضعها بأنفه، وفعل بنا وخرج علينا، وعصانا وفعل، فقام أبو برزة الأسلمي أحد الصحابة يبكي وهو واقف قال: [[ارفع عصاك، لا تضع عصاك على أنفه، والذي نفسي بيده، لقد طالما رأيت الرسول عليه الصلاة والسلام يقبل ذاك الموضع، ويقول: هما ريحانتاي من الدنيا]] فرفع عصاه كالخجلان، وبعد سنة أتى المختار بن عبيد الثقفي فهاجم عبيد الله بن زياد في قصره، فقطع رأسه، ثم وضعه في نفس الصحن ذاك، ولكن ما كان عند المختار عصا يشير بها، فأرسل الله حية، ثعبان صغير، كانت تدخل في أنفه وتتجامع الحية، حتى تحشره في أنفه وفمه، مكان تلك العصا، هذه بتلك، {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140].
دخل عليه عمرو بن عايذ قال: يا عبيد الله بن زياد اتق الله! فإني سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {إن شر الرعاة الحطمة} معنى الحديث: إن شر الناس المسئول إذا حطم الناس وأرهقهم وكلفهم، قال الأمير -هذا المتكبر عبيد الله بن زياد - اجلس إنما أنت نخالة أصحاب محمد، قال: وهل فيهم نخالة؟ إنما النخالة في غيرهم وفي من بعدهم.