الأولى: {إن للشهيد عند الله خصالاً: يُغفر له في أول دفعة من دمه} أول ما تسكب في الأرض قطرة من قطرات دمه يغفر الله له سجلاته ولو كانت كجبال الدنيا من الخطايا.
الثانية: {ويرى مقعده من الجنة} قال بعضهم: يراه قبل أن يقتل، وقال بعضهم: في سكرات الموت، فيرى مكانه الذي خصصه الله له.
الثالثة: {ويحلى حلية الإيمان} وهي علامة خاصة بالمؤمنين، وهي للمجاهدين، ودل عليها القرآن في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} [الحديد:19].
الرابعة: {ويزوج من الحور العين، ويجار من عذاب القبر} فلا يأتيه عذاب من القبر، وهذه للشهداء والأنبياء.
الخامسة: {ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها}.
السادسة: {ويزوج اثنتين وسبعين من الحور العين، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه} ذكره أحمد وصححه الترمذي، وهذا الحديث ذكره ابن ماجة مع أحمد وهو من حديث المقداد بن معد يكرب، وإسناده صحيح، والأحاديث في ذلك كثيرة، وقد تقدم منها أحاديث في كثير من المناسبات.
وفي المسند مرفوعاً: {الشهداء على بارق نهر باب الجنة في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشية} رواه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي.
وقال عليه الصلاة والسلام: {لا تجف الأرض من دم الشهيد حتى تبتدره زوجتاه كأنهما ظئران أضلتا فصيليهما في براح من الأرض -البراح: البيداء- وفي يده كل واحدة منهما حلة خير من الدنيا وما فيها} أخرجه أحمد وابن ماجة وفي سنده شهر بن حوشب وهو ضعيف وهلال بن أبي زينب وهو مجهول.
وفي المستدرك وعند النسائي مرفوعاً: {لأن أقتل في سبيل الله أحب إلي من أن يكون لي أهل المدر والوبر}.
وفيهما: {ما يجد الشهيد من القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة} والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وهناك قصص ضرجت بها كتب السنة، ودبجت بها دواوين الإسلام للشهداء في سبيل الله، ومن أراد أن يتأمل هذا الباب، فعليه بالمجلد الثالث من زاد المعاد محققاً في باب الجهاد في سبيل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وعليه بكتاب الجهاد من صحيح البخاري مع فتح الباري، وبأحاديث الجهاد التي جمعها مثل ابن المبارك رضي الله عنه وأرضاه في الأربعين من كتبه، وغيره ممن جمع في ذلك، وألف فيها رسائل، ولكني أدل نفسي وإخواني على مسألة، وهي أن السائل عندما يسمع هذه الأخبار، يقول: كيف أحصل على الشهادة في سبيل الله تعالى؟ وأحياناً لا أستطيع أن أحصل عليها لظروف في نفسي، وبيتي، ومجتمعي، أو لبعض الظروف والطوارئ، فأقول: عليك بأمرين اثنين:
أولاً: أن تنوي نيةً صادقةً مخلصةً الغزو في سبيل الله، وأن تحدث نفسك بذلك دائماً ليلاً ونهاراً، وأن تعلم أنك إذا لم تحدث نفسك ببيع نفسك من الله والقتل في سبيله، ففي إيمانك نظر، فعليك أن تزاول هذا دائماً في حركاتك وسكناتك، وتتحرى اليوم الذي تقتل فيه شهيداً في سبيل الله في حرب الكفار.
ثانياً: أن تسأل الله عز وجل الشهادة في دبر كل صلاة، فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام عند مسلم من حديث أبي هريرة قال: {من سأل الله الشهادة بصدقٍ، بلغه الله منازل الشهداء، ولو مات على فراشه} فجزاء من يسأل الله، ويعلم الله نيته وصدقه ودعاءه أن يثيبه أجر الشهداء، ولو مات على فراشه كما حدث لـ خالد بن الوليد سيف الله المسلول.
ثالثاً: عدم الركون إلى الدنيا فقد قال تعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة:38] فإن من باع حظه من الله- عز وجل- ومن جنته بشيء من الدنيا، فلا خلاق له عند الله يوم القيامة، فنسأل الله أن يخرج حب الدنيا من قلوبنا، وأن يجعلنا من أوليائه الصادقين الذين باعوا أنفسهم له تبارك وتعالى.
ثم اعلموا حفظكم الله أن من يفرح بفرح المسلمين، فهو دليل على إيمانه وصدق يقينه، ومن يغضب ويتأثر لما يصيبهم، فهو دليل كذلك على صدقه ويقينه.
وهذا الجهاد -كما قلت- أمنية للمسلمين، فمنذ سنوات صرفت فيه الملايين، وأسيلت فيه الدماء، وذهبت فيه الجماجم، وأصبح حديث الناس في المشرق والمغرب، وأصبح قصة الدنيا، وسارت به الركبان، ولا بد لنا أن نبدأ من أول الخيط في عجالة لهذا الجهاد.