إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أيها الإخوة الفضلاء! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذا اليوم (29) من شوال (1412هـ) وهذه المحاضرة من جامع أبي بكر الصديق في أبها بعنوان "فتح الفتوح".
السيف أصدق إنباءً من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب
فتح الفتوح تعالى أن يحيط به نظم من الشعر أو نثر من الخطب
فتح تفتح أبواب السماء له وتبرز الأرض في أثوابها القشب
أبقيت جد بني الإسلام في صعد والمشركين ودار الشرك في صبب
رمى بك الله برجيها فهدمها ولو رمى بك غير الله لم يصب
أبقت بني الأصفر المصفر كاسمهم صفر الوجوه وجلت أوجه العرب
سوف نتحدث عن فتح العاصمة الأفغانية كابل وقبل ذلك نذكر ثناء الله على نبيه إذ يقول: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [الفتح:1 - 2] ويقول المعصوم عليه الصلاة والسلام: {نصرت بالرعب مسيرة شهر}.
نُصرتَ بالرعب شهراً قبل موقعةٍ كأن خصمك قبل القتل في حلم
إذا رأوا طفلاً في الجو أذهلهم ظنوك بين بنود الجيش والحشم
إن فتح كابل فتح للمؤمنين، وعليهم أن يحمدوا الله عليه: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:160] فلله الحمد أن أرانا أصنام الملحدين تتهاوى تحت أقدام المجاهدين، ولله الحمد أن أرانا أوثان الكافرين تتهاوى تحت ضربات المؤمنين.
بالأمس صلى المسلمون في كابل، واستقبلوا القبلة، وقام رئيس جمهوريتهم المسلم يخطب في الألوف المؤلفة، فيقول: الله أكبر، فيكبر وراءه مئات الألوف.
ولأحد الفضلاء من المشايخ شريط بعنوان "الله أكبر سقطت كابل " وهو فاضل ذكي، لكنه قال: سقطت، وودت أنه قال: الله أكبر فتحت كابل، فإن السقوط لغير كابل، بل هو فتح ورفعة لها، والله عز وجل سمى انتصارات رسوله عليه الصلاة والسلام فتحاً، فقال: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} [الفتح:1].
والآن ميلاد كابل في هذه الأيام، فهو فتح كابل، وليس سقوط كابل، فالسقوط والهبوط والاحتراق والخراب لغيرها، أما هي فتوجت بدماء الشهداء، وبجماجم المجاهدين، وأصبحت تعزف على عزف بنادق المؤمنين الذين بايعوا ربهم: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111] ولهذا الدرس سبب:
إنه يجب علينا كمسلمين أن نعيش قضيتنا، فإن الولاء بيننا يتحرك، والمسلم مع إخوانه يسعد لسعادتهم، ويأسى لمآسيهم {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71] و {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى}.
والحقيقة أن عقول المؤمنين سالت بقرائح مبدعة، وببنات أفكار عجيبة فرحة بهذا النصر، وقد وصلتني عشرات الرسائل إن لم أقل مئات الرسائل ما بين نثرية وشعرية وكثير من القصائد ما بين عربية فصيحة ونبطية -أي: عربي وبلدي- واخترت بعض القصائد، وأعتذر للإخوة الذين لا أقرأ قصائدهم، فإن مقصودي أن ألقي درساً لا أمسية، ومقصودي أن أختار بعض القصائد وأن أرجئ بعضها داعياً الله عز وجل لمن نظم قصيدةً مشيداً ومثنياً وفرحاً أن يكمل فرحه في جنات النعيم.