محق بركة العمر

ومن آثارها: أنها تقصر العمر وتمحق بركته.

فالعاصي من أقل الناس أعماراً انظر إلى بعض العصاة الآن، يعيش مائة وعشرين سنة لكنه مثل الحمار، يجدون معه مذكرات يكتب فيها ماذا فعل لقي امرأة في البرازيل وكتب مذكرات، وسمع أغنية، وعنده موسيقى وليلة حمراء، وشرب كئوس الخمر، وفتك بعباد الله وقتل ودمر فلا بركة ولا نور ولا عمر.

لكن ابحث الآن عن بعض أعمار المسلمين، فهذا سعد بن معاذ عمره 37سنة، عاش في الإسلام سبع سنوات فقط، لكهنا أحسن من سبعة آلاف سنة، ولما توفي مقتولاً من أثر جراح في سبيل الله اهتز عرش الرحمن لموته، وأخذت الملائكة بأهداب العرش وقالت: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4] وشيعه سبعون ألف ملك، وأتى صلى الله عليه وسلم فشهد جنازته، وأتى صلى الله عليه وسلم يتكفكف بثيابه ويقول: {والذي نفسي بيده ما من موطن في الأرض -أي التي حوله- إلا وفيه ملك حضروا جنازة سعد بن معاذ} قال حسان:

وما اهتز عرش الله من موت هالك سمعنا به إلا لـ سعدٍ أبي عمر

والنووي توفي وعمره أربعون سنة، لكنه ألف من الكتب ما يقارب عشرين مؤلفاً، منها ما يبلغ أكثر من عشرة مجلدات، وكان يسرد الصيام ويقوم الليل كله، وعنده من الأذكار والأوراد وقراءة القرآن، وفعل الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يعادل الجبال من الحسنات، وبعضهم عاش ثلاثين سنة فأثمر الله في جهده، وبعضهم عشرين، بل يكفي من الطائع سنة واحدة ليخلص مع الله.

وهذا عمر بن عبد العزيز عمره أربعون سنة، وهو مجدد من مجددي الإسلام رضي الله عنه وجمعنا به في دار الكرامة.

ويتساءل ابن القيم ويقول: هل نقصان العمر حقيقي أو مجازي؟

أي هل هو حقيقي بأن يقصر الله عمره فبدلاً من أن يعيش ستين سنة يعيش أربعين؟ أو هو مجازي بأن يعيش هذا ستين وهذا ستين لكن هذا عمره أبرك من الآخر؟

ولا يَسْتبعِد أن يكون حقيقياً، وأن الله يقدر أن هذا يعيش ستين سنة لكن بسبب معاصيه يقدر أن يموت قبل أن يبلغ الستين.

وقيل هو مجازي، فهذا يعيش ستين سنة لكنه طائع، عاش ستين سنة في الطاعة، وهذا يعيش ستين سنة في المعصية، فيمحق الله بركة هذا ونوره ولياليه وأيامه، فيأتي صفر اليدين عند الله يوم الدين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015