أتى صلى الله عليه وسلم في معركة أحد فقال: نقاتل الأعداء داخل المدينة، لأن أبا سفيان أتى بجيش يريد اقتحام عاصمة الإسلام، قال: نريد أن نقاتلهم داخل المدينة، فقام أحد الجنود الذين تربوا على سورة آل عمران وسورة البقرة.
وجيل لا يتربى على هذه السور وعلى هذا المصحف.
سوف يكون جيلاً ضعيفاً مهزوماً ضئيلاً متخلفاً، فقام هذا الجندي يبكي وهو شاب في العشرين وقال: يا رسول الله! لا تحرمني دخول الجنة، اخرج بنا إلى الأعداء، فوالله الذي لا إله إلا هو لأدخلن الجنة.
فيتبسم عليه الصلاة والسلام ويقول: بم تدخل الجنة؟ -بشهادة أم بمؤهل أم برتبة عسكرية؟ لم يقلها الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن هذه افتراضات- قال: بماذا تدخل الجنة؟ قال: بخصلتين اثنتين قال: ما هما؟
قال: بأني أحب الله ورسوله ولا أفر يوم الزحف، فقال صلى الله عليه وسلم إن تصدق الله يصدقك.
إن كان الله يعلم أنك تريد هذا المبدأ فوالله لتجدن الشهادة ولتذوقنها، ووصل المسلمون إلى أحد قريباً من المدينة، وهذا الرجل الذي يحب الله ورسوله قلبه معه ولا يفر يوم الزحف، ولبس هذا الجندي أكفانه، والله يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] ويقول سبحانه: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:21] فلما وصلوا إلى هناك أتى هذا الجندي فقاتل حتى قتل، وتفقد صلى الله عليه وسلم جنوده البواسل، فوجد هذا الجندي صريعاً على التراب، فقبله وبكى عليه وقال: صدقت الله فصدقك الله.
عبد الله بن عمرو الأنصاري يحضر المعركة فيكسر غمد سيفه، وكسر الغمد عند العرب معناه ساعة الصفر، خطر ممنوع الاقتراب، معناه أنه لا يريد الحياة ولا يريد أن يرجع مرة ثانية، ثم التفت إلى السماء وقال: يا رب! إن كنت تعلم أني أحبك فخذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى.
يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أعلى غاية الجود
إن كثيراً من الناس اليوم يسمونهم في الساحة شهداء الفن، شهداء المسرح، والله إنهم شهداء الضلالة والعمالة، شهداء التخلف والتبعية، شهداء الفكر والفن العفن الذي ما عرف الله، شهيد يموت على فتاة! شهيد يقتل على كأس! شهيد على مسرح!
إن الشهيد هو الذي يموت للمبادئ الأصيلة، لترتفع لا إله إلا الله محمد رسول الله في الأرض.
قال: خذ من دمي اليوم حتى ترضى، فضرب لكنه ما طعن بوخزة، إنما طعن بثمانين بل أكثر، قال أنس أكثر من ثمانين ما بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم، فألقى جثمانه لكن روحه: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30].