التراويح

المسألة الرابعة والعشرون: صلاة التراويح:

صلاة التراويح سنة وهي ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، وقد صلاها في بعض الليال وتركها في حياته بعض الليالي، لئلا تفرض على الأمة، فلما جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه جمع الناس على صلاة التراويح.

وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: {ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غير رمضان عن إحدى عشرة ركعة} فالأولى والأقرب للسنة صلاة إحدى عشرة ركعة، وورد في الصحيح كذلك من حديث عامر الشعبي عن ابن عباس: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاثة عشرة ركعة}.

فكيف نوفق بين إحدى عشرة وثلاثة عشرة؟ كثير من الناس عندنا الآن على المذهب يصلون ثلاثة عشرة ركعة، وبعض المحدثين يرى أن تصلى إحدى عشرة ركعة، لكن ليس هناك خلاف فالأمر فيه سعة والحمد لله، والمسألة وما فيها، أن أهل العلم توقفوا عند الحديث، منهم من قال: حسبت ركعة الفجر- مثل ابن القيم في زاد المعاد - من الثلاثة عشرة ركعة، وإلا فالأصل إحدى عشرة ركعة، ومنهم من قال: كان صلى الله عليه وسلم يصلي مرة ثلاثة عشرة ركعة ومرة إحدى عشرة ركعة فهذه السنة فمن صلى هذا لا بأس به، ومن صلى هذا لا بأس به، والأقرب إحدى عشرة ركعة، ومن زاد على ذلك فصلى إحدى وعشرين ركعة فجاز ثلاث وعشرين، وست وثلاثين إنما وله أن يصلي ولو صلى مائة وواحدة ركعة لجاز والأمر فيه سعة ونافلة {وصلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الليل؛ فأوتر بواحدة}.

إذاً: فالأمر فيه سعة والحمد لله، وهذه صلاة التراويح التي هي سنة من السنن وينبغي للمسلم أن يحافظ عليها في جماعة، وإذا رأى أن الأفضل في حقه أن يوتر في آخر الليل ويستطيع فليرجئ الوتر إلى آخر الليل، ويصلي التراويح مع الناس، وإذا خاف فليوتر من أول الليل مع الجماعة، لكن إذا أوتر مع الجماعة ثم استيقظ في آخر الليل في السحور هل له أن يصلي أم لا؟ هو بين حالتين: إما أن يصلي شفعاً شفعاً ركعتين أربعاً ستاً ويكتفي بما صلى في أول الليل من الوتر، وإما أن يصلي ركعة توتر له ما تقدم ثم يصلي شفعاً ثم يوتر، وهذا وارد لكن الأول أحسن وهو أن يكتفي بالوتر الأول ولا وتران في ليلة ويصلي شفعاً ولا يعيد الوتر مرة ثانية.

والأمور التعبدية في رمضان أعظمها قراءة القرآن، فإني أوصي نفسي وإياكم بكثرة قراءة القرآن وأن يأخذ أحدكم مصحفه ويعاشره في هذا الشهر، ويسامره، ويجالسه، ويآنسه، ويختم ختمات كثيرة بتدبر عل الله أن يرفع درجته في عليين، فإنه لن يقرأ الحرف إلا بعشر حسنات إلى أضعاف كثيرة عند الله تبارك وتعالى.

وكذلك أوصي نفسي وإياكم بكثرة الصدقة في هذا الشهر، أن يبذل أحدكم ويكون له شيء من مال ينفقه ويتصدق به، ويحرص على تفطير الصوام؛ فإن من فطر صائماً؛ فله من الأجر مثل أجر الصائم دون أن ينقص من أجر الصائم شيئاً، والتفطير يحصل بأدنى شيء، بشربة ماء أو بتمرة، فهذا يسمى تفطير، يعني ما يقتضي أن تفطره تمراً، ثم شربة، ثم تدعوه إلى كبسة، ثم تقهويه ثم تشهيه، لا، فيحصل بشربة من ماء إذا ما وجد شيئاً وعلم الله أنك ما وجدت إلا الماء، فأما أن يكون في بيتك ما لذ وطاب وتأتي بالماء تباشر على الناس في المسجد وتقول: أفطرهم فهذا يكتب لك أجر إن شاء الله لكن ليس بتفطير {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92] فليعلم ذلك.

ومنها بارك الله فيكم الذكر: فإني أدعوكم لكثرة الذكر في رمضان من الاستغفار، والتسبيح، والتهليل، وكثرة الصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم، ومراجعة حساب السيئات في الأشهر الماضية؛ عل الله أن يكفرها في هذا الشهر، والتبتل إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ومن أعظم ما يوصى به اجتناب الغيبة، والنميمة، والشتم؛ لأنها حرام في غير رمضان، وفي رمضان أشد وأنكى وأدهى، حتى قال ابن حزم في المحلى: إن شهادة الزور والغيبة والنميمة تفطر الصائم وعليه القضاء فإن هذه أمور محرمة وهي أشد تحريماً في رمضان، وليتق الله وليحفظ لسانه وليستبدل مكان الخبيث من القول بالطيب، فإن الذي يصعد إليه الطيب من القول أو الطيب من الكلمة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10] قيل: العمل الصالح يرفعه أي: يرفع الكلم الطيب، الضمير يعود إلى الكلم الطيب أي: إليه يصعد الكلم الطيب يعني سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر هو الكلم الطيب، والدعوة إلى الله كلم طيب، وقال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم كلم طيب يرفعه العمل الصالح، إذا صاحب عملاً صالحاً رفعه هذا، وقيل: يرفعه يعود الضمير إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، أي أن الله يرفع الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وكلا الوجهين فيه وجاهة، ومن جمع بينهما فقد أحسن وأصاب، إذا علم هذا فإن هذا أحسن ما يوصى به.

وأوصيكم في رمضان كذلك بالاهتمام بصلاة الجماعة، فإن كثيراً من الناس يخلون بها، فصلاة الجماعة من أهم ما يوصى به جماعة المسلمين وحضورها من أول الوقت لتصلي عليك الملائكة في مجلسك.

وأوصيكم بكثرة الاستغفار، وترك المعاصي ما ظهر منها وما بطن كاستماع اللغو واللهو والغناء الماجن الرخيص، ومطالعة الصور الخليعة التي تغري بالقلب، وتشتت الفكر، وتدعو إلى الفاحشة وتسهل الزنا، نعوذ بالله من ذلك، فأدعو نفسي وإخواني إلى التوبة النصوح ظاهراً وباطناً ليقبل الله منا صيامنا، إنه على ذلك قدير.

والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015