وعرض صلى الله عليه وسلم (لا إله إلا الله) لغرض التوقف عن الذنوب والتوبة إلى الله الواحد علام الغيوب.
إن الذي يقول: (لا إله إلا الله) يراجع حسابه مع الله، إن الذي يشهد أن لا إله إلا الله ويعتقدها، يفتح باب التوبة على الله عز وجل؛ ليدخل جنة الله {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135].
إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار
وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النار
إذا انغمست في الخطيئة إلى مشاش رأسك فعد إلى الواحد الباري فإنه التواب، وإذا أظلم قلبك من الذنب والمعصية، فعد إلى الباري فإنه هو التواب، وإذا كثرت عليك الفتن والمحن والزلازل والابتلاءات؛ فعد إلى الباري فإنه هو الذي يكشفها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
باب التوبة هو من أبواب (لا إله إلا الله) وتحت مظلة (لا إله إلا الله) ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يفتح باب التوبة للناس، ويخبرهم أن من مقتضيات (لا إله إلا الله) التوبة، بل يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: أن أرفع منزلة عند أهل السنة والجماعة هي: منزلة التوبة.
{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [التوبة:117] هذه بعد غزوة تبوك، وهي في آخر العصر النبوي، ذكر الله أنه تاب عليه بعد الجهاد، وبعد إسالة الدماء وبذل النفس، يقول الله: {لَقَدْ تَابَ الله} [التوبة:117].
عاش الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر نفس من حياته وفي آخر أنفاسه يوم عاش حياة الجهاد والجِلاد والتضحية والبذل والعطاء، يقول الله له قبل الموت: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:1 - 3].
لا تظن أنك قدمت شيئاً، الفضل لله، والمنة له، والعطاء والخير من الله، فاستغفر الله كأنك ما قدمت شيئاً؛ ولذلك أمرنا أدبار الصلوات أن نقول كلما سلمنا: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، وقال تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:199] أي: إذا انتهيت من الحج فاستغفر الواحد الأحد، فكأنكم ما قدمتم شيئاً: {يَمُنُّونَ عليكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا علي إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عليكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17] لا تمن إسلامك وصلاتك على الله، بل الله يمن عليك أن هداك وأدخلك الجنة؛ لأن الله عز وجل اشترى نفسك منك، وإن كنت مسلماً فقد اشتراها الله منك.
نعم.
{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عليهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111] لا أحد: ومن أصدق من الله؟
لا أحد.
ومن أوفى من الله؟ لا أحد.
فإذا بعت نفسك فاعلم أن السلعة هي الجنة، وهذا العقد نزل به جبريل، والذي ضمن العقد هو الله، والذي وقَّع على العقد هو محمد صلى الله عليه وسلم، والسلعة الجنة، والثمن أرواح المؤمنين.
فهل من بائع لنفسه في طاعة الله؟
إن البيعة العظيمة تقتضي منك أن تفتح لنفسك باب التوبة.
يا أيها الجندي المسلم: إذا ظللت في الخطأ فعد إلى الواحد الأحد، وتبرأ من خطئك وتب إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم آخرين يذنبون ويستغفرون الله فيغفر لهم} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {والله إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {والذي نفسي بيده، لو كنتم كما تكونون عندي -وفي حلق الذكر- لصافحتكم الملائكة، ولكن ساعة وساعة} وصح عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم أنه قال: {يقول الله تبارك وتعالى: يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرماً بينكم فلا تظالموا، يا عبادي! إنكم تذنبون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يقول الله تبارك وتعالى: يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت خطاياك وذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة}.