خوفه من الله عز وجل

وكان يفكر ملياً، فإذا قيل له: ما لك؟ قال: أخشى من الله عز وجل أن ينجي الأمة وأن يدخلني النار -نعوذ بالله من النار- وكانت الفرنجة قد استضرت في عهده ضرراً بالغاً، وألحق بها هزائم فادحة عبر التاريخ، وكان نور الدين مليح الخط، كثير المطالعة، يخلو قبل أن ينام بكتب العلم فيطالعها، وكان يصلي كل الصلوات في جماعة ولا يعذر أحداً من الجيش بترك الصلاة، وكان يصوم حتى في المعركة.

يقول صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: {من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً} قال: وكان يتلو ويسبح الله كثيراً، ويتحرى في القوت، ويتجنب الكبر، وكان يتشبه بالعلماء والأخيار، وكان إذا دخل عليه العلماء أقام الوزراء وأجلسهم مكانهم، وقال لهم: أنتم ميراث محمد عليه الصلاة والسلام، وكان إذا تكلم قال للعلماء: تكلموا يا من استشهدهم الله على وحدانيته: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18].

وكان كل من رآه، شاهد من جلال السلطنة وهيبة الملك ما يبهره، وكان على وجهه نور من كثرة صلاته بالليل، وكان متواضعاً جد متواضع، وربما مر بالأطفال الأيتام فمسح على رءوسهم، فرضي الله عنه وأرضاه، ورفع منزلته.

قال أبو الفرج ابن الجوزي: جاهد وانتزع من الكفار نيفاً وخمسين مدينة وحصناً، وارتفعت كلمة التوحيد في عهده، وكان سادس الخلفاء أو الأئمة على مر الإسلام، وربما سبع بعضهم بـ أورنك زيب ملك الهند في العدد.

وقال عنه موفق عبد اللطيف صاحب التاريخ: كان نور الدين لا ينشف له لبِد من الجهاد، وكان يأكل من عمل يده، ينسخ تارة، وربما نسخ كتب الحديث وباعها، ويعمل أغلافاً تارة، وربما عمل أغلافاً للمصاحف وجلوداً لها، ويلبس الصوف ويلازم السجادة والمصحف، وكان حنفياً يراعي مذهب الشافعي ومالك، ويحترم الخلاف، ولا يرى أن يثار الجدل في مجلسه، وقد عزر كثيراً من علماء المنطق وأهل الكلام، وقال: إنما الإسلام قال الله وقال رسوله، وهؤلاء علماء الفوضى علماء الكلام الذين يقول فيهم الإمام الشافعي: رأيي في علماء الكلام أن يطاف بهم في العشائر والقبائل وأن يضربوا بالجريد وبالنعال ويقال: هذا جزاء من ترك قال الله وقال الرسول عليه الصلاة والسلام، فهم أشبه شيء بعلماء الفكر الضائع الضال الذين لا يهتدون بنور من الله عز وجل ولا بصيرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015