الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أيها الإخوة الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومن واجب أهل الفضل علينا أن نشكر لهم فضلهم، ومن واجب أهل الإحسان أن نشكر لهم إحسانهم، فنشكر مدير هذه الثانوية بالغ الشكر، والأساتذة أيضاً، ونشكركم أيضاً لحسن استماعكم وتواضعكم لاستماع هذه الكلمات، ونسأل الله أن ينفع بها، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.
أمَّا بَعْد:
فقد كانت هذه الكلمة ربما تدور حول الموت، وحدد موضوعها، وحينما أخبرت بهذا الموضوع تذكرت أبياتاً للشاب العالم الزاهد/ حافظ الحكمي - رحمه الله تعالى- في الموت، إذ يقول:
والموت فاذكره وما وراءه فمنه ما لأحدٍ براءه
وإنه للفيصل الذي به ينكشف الحال فلا يشتبه
والقبر روضةٌ من الجنان أو حفرةٌ من حفر النيران
إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده
وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ
تالله لو علمت ما وراءك لما ضحكت ولأكثرت بكاءك
من هذا المنطلق، ومن هذه الذكرى يمر الإنسان في قافلة الموت، ويتذكر هذا المصير المحتوم، وهذه الساعة المقضاة من الله على ابن آدم، ساعة الموت التي يذل فيها الجبار، ويذعن فيها العاصي، ويعود فيها المتمرد، ويتوب فيها المذنب.
ساعة الموت هذه الأليمة التي يمر بها الملك والمملوك، والرئيس والمرءوس، والغني والفقير.
وكان من الجميل بنا أن نذكر بعض قصص المحتضرين وأخبارهم وأنبائهم علنا أن نتذكر هذا المصرع الذي لا يفوتنا أبداً، وسوف نمر به ولو طالت أعمارنا، ولو تمتعنا بالشباب والصحة، ولو زهدت لنا السيارات والعمارات، ولو سكنا في الشقق الفاخرة، ولو لبسنا الثياب الفاخرة الجميلة، ولو تمتعنا بالمطاعم، وجلسنا على الموائد، وتزاورنا وضحكنا كثيراً، إنها سوف تمر بنا هذه الساعة التي تنسي ما قبلها، والتي يتذكر فيها الإنسان حسابه مع الله، ماذا فعل، وماذا قدم؟
ما عمل بتلك الساعات التي أفناها بالقيل والقال، واللهو واللعب، والجلوس الذي لا طائل من ورائه، ومرافقة أقران السوء، وأصحاب الانحراف الذين ما زادوه إلا ضلالاً وإعراضاً عن الله.
تلك الساعة لا بد أن نحسب لها حسابها من الآن، ولا بد أن نقف معها وقفةً طويلةً جداً لنتذكر بماذا سوف نلقى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى في هذه الساعة؟
وبماذا سوف نرد على الملكين؟
وماذا سوف نقول إذا طرحنا في القبر وتلك الحفرة التي تعرفونها؟.
التي يتجرد فيها الإنسان من كل شيء إلا من الأعمال الصالحة، فيتجرد من المنصب، فيدخل في قبره بلا منصب، وبدون: يا صاحب الفخامة! ويا صاحب المعالي! ويا صاحب السماحة! وإنما يدخل جثماناً في قطعٍ بيضاءٍ، فيوسد في هذه الحفرة، ويتولى عنه الناس.
يدخل بلا سيارة، ولا إخوان أو خلان، وبلا زوجة أو صاحب أو قرين إلا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ولو نجا أحد من الناس من ساعة الموت، لكان الجدير أن ينجو محمدٌ صلى الله عليه وسلم، ولكنه والله ما نجا، فمر بها كما يمر بها الإنسان، ووقف معها كما يقف الإنسان، وهو أشرف الخلق على الله تبارك وتعالى، وهو أكرم الناس على رب الناس، لكنه تلقاها برحابة صدر، لأنه أحسن العمل مع الله.