يريد عمر أن يعاهد الكفار، بعد أن اجتاحهم، ونسف دولتهم تماماً، لكن أبقى لهم مستعمرة، ريث ما يهيئون غروبهم من بلاد الله، فيأتي الهرمزان قبل معركة القادسية، وهو مستشار كسرى، يأتي لابساً تاجاً من ذهب وزبرجد وعليه الحرير، يدخل المدينة ومعه الحرس، فيقول: أين قصر الخليفة؟ قالوا: لا قصر له، قال: أين بيته؟ قالوا: تعال نريك بيته، فذهبوا فأروه بيتاً من طين -من هذه البيوت الطينية التي تكلم للعالم منها، ونشر الضياء في الكون- قال: أهذا بيته؟! قالوا: نعم.
قال: أين حرسه؟ قالوا: لا حرس له، يقول شوقي:
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمانُ
فطرق الباب، فخرج ابنه، قال: أين أبوك؟ قال: التمسوه في المسجد نائماً، أو في ضاحيةً من ضواحي المدينة -وقت ضحى- فذهبوا إلى المسجد فما وجدوه.
وهو ينام في الضحى ساعتين، وكان لا ينام في الليل ولو ساعة! تقول له زوجته: [[لمَ لا تنام الليل، ولا تنام النهار إلا قليلاً؟ قال: لو نمتُ النهار ضاعت رعيتي، ولو نمتُ الليل ضاعت نفسي!!]] فكان يصلي ويستغفر في الليل ويحكم ويعدل في النهار.
ذهب الهرمزان فما وجده في المسجد، فالتمسوه فوجدوه تحت شجرة من سَلَم، وضع درته بجانبه، وبردته المرقعة عليه، وقد توسد ذراعه في أنعم وأهدأ نومة، والأمة تعيش في هدوء وعدل وسكينة.
هذا الذي فتح الدنيا ودوخ الملوك!! هذا الذي داس جماجم الخونة ينام تحت شجرة!! فانذهل الهرمزان وقال: حكمت فعدلت فأمنت فنمت.
قال حافظ إبراهيم:
وراع صاحب كسرى أن رأى عمراً بين الرعية عقلاً وهو راعيها
فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملاً ببردةٍ كاد طول العهد يبليها
فقال قولة حقٍ أصبحت مثلاً وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمنت لما أقمت العدل بينهمُ فنمت نوم قرير العين هانيها