هذا هو عمر الذي قتل في المحراب، والعظماء يقتلون، إما بالخناجر أو الرصاص؛ ليعلم الله أنهم عظماء، فتعيش الأمة على دمائهم نغماً زكياً تحيا به في شرايين قلوبها، وتبني على جماجمهم مكرمات ما كان لها أن تبنى لو لم تكن تلك الجماجم، وتجعل من أشلائهم تحفاً للتاريخ.
يقول أحد المسلمين، وهو من أتباع محمد عليه الصلاة والسلام، من الشباب الذين قتلوا في بدر، أو أحد، أو القادسية، أو اليرموك، أو حطين، أو عين جالوت، وليس هو من الشباب الذين قتلوا يوم التزلج على الثلج، أو قتلوا في ساعات السهر، أو تدحرجت بهم مسارح الفن، فوقعوا على رءوسهم.
يقول هذا الشاب:
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياةً مثل أن أتقدما
وليس على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما
فهذا هو جيل محمد عليه الصلاة والسلام، هذه المدرسة التي قدمها للتاريخ، فذلك الرعيل الذي ما سمع الناس بمثله، عاش فيه عمر مع الرسول عليه الصلاة والسلام، أسلم بـ (طه) وكان أجمل من الشمس في ضحاها، وأوضح من القمر إذا تلاها، تولى الأمة فرعاها، وقاد المسيرة وحباها، وتولى بعدل وآواها، فمرحباً بـ عمر، أسلم لما سمع: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عليكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:1 - 5].
أسألكم بالله! هل هناك إنسان يفهم هذا الخطاب ثم لا يسلم ولا يذعن؟
هل هناك إنسانٌ يفهم كلام رب البشر، ثم لا يسري هذا الكلام في ذرات دمه؟
وقد فهم عمر هذا الخطاب، لأنه عربيٌ قُح، فسرى في دمه، فانتشر تيار الإسلام، في كل جزئيةٍ من لحمه ودمه، فأسلم ووضع كفه في يد محمد عليه الصلاة والسلام، ولكن على ماذا؟
على الاستيلاء على أموال الناس؟!
على توسيع القصور والدور؟!
على بناء الحدائق الغناء والبساتين الفيحاء؟!
على استذلال البشر؟!
على إيجاد مستعمرات من التعذيب؟!
لا.
بل على العدل والحق والميزان ولا إله إلا الله.