المسألة الثانية عشرة: هل لك أن تتصدق بلباسك وتخفف منها؟ هل من المروءة عند الناس أن إذا عرض لك فقير وسألك؛ أن تخلع له غترتك، وتقول: تفضل؟ أو شيئاً من لباسك الداخلي أو الخارجي؟
حدث هذا عن المصطفى عليه الصلاة والسلام، أتت امرأة فنذرت لله عز وجل أن تلبس الرسول عليه الصلاة والسلام حلة، فذهبت فنسجت حلة، وتعبت عليها والحلة من أحسن اللباس- لتكون هدية طيبة إلى المصطفى الطيب صلى الله عليه وسلم، فلما نسجت الحلة ذهبت بها إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال الصحابة: فلبسها محتاجاً إليها.
كانوا في قلة من اللباس والطعام والشراب، لبسها محتاجاً إليها، فلبس الحلة عليه الصلاة والسلام وخرج إلى الناس، فلما خرج قام رجل في الطريق، وقال: يا رسول الله! ألبسني هذه الحلة.
قال: انتظر قليلاً، فذهب صلى الله عليه وسلم إلى بيته وغير ملابسه الأولى الممزقة، وأعطاه الحلة، فأمسك الأنصار بالرجل وقالوا له: فعل الله بك وفعل، صنع الله بك وصنع، لبسها صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليه، وأنت تسأله وتعرف أنه لا يقول (لا).
فإن كلمة (لا) ليست في قاموسه عليه الصلاة والسلام إلا في لا إله إلا الله
ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم
يغضي حياءً ويغضى من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم
كلتا يديه غياث عم نفعهما يستوكفان ولا يعروهما عدم
ذكر البزار عن شيخ الإسلام ابن تيمية في الأعلام العلية، قال: كنت أرافقه فربما عرض له الفقير المسكين، فيبحث ابن تيمية فلا يجد دراهم في جيوبه، ويبحث عن الخبز فلا يجد خبزاً، فيختفي ويخلع أحد ثوبيه ويعطيه الفقير.
قال: فعرض له فقير مرة فسأله سؤالاً، فما وجد ابن تيمية إلا ثوباً عليه، ولم يجد دراهم ولا خبزاً ولا شيئاً، فأخذ عمامته فقسمها نصفين وأعطى الفقير نصفها.
ما هذه الأخلاق؟! إنها أخلاق الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر.
وورد في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: {من كسا مسلماً على عري كساه الله من حلي الجنة} والحديث يقبل التحسين، وفي حديث ابن عباس الصحيح: {يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا بن آدم! جعت فلم تطعمني، قال: كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان جاع فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته وجدت ذلك عندي؟ يا بن آدم! مرضت فلم تعدني، قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته وجدت ذلك عندي؟ يا بن آدم! استكسيتك فلم تكسني، قال: كيف أكسوك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان استكساك فما كسيته؟ أما علمت أنك لو كسيته وجدت ذلك عندي؟}.