المسألة الأولى: أما أجمل اللباس فهو اللباس الأبيض، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران:106 - 107] فالبياض المعنوي أو بياض العاقبة هو علامة السعادة، لا بياض البشرة، فإن بعض الناس أسود البشرة، وهو أبيض السجل والحسنات عند الواحد الأحد، وبعضهم أبيض كالقمر، لكنه أسود الأعمال والسجل والتاريخ عند الله وعند الناس.
وما الحسن في وجه الفتى كرم له ولكنه في طبعه والخلائق
فإذا جمع الله بين الحسن الظاهر والباطن فهو الكمال، واللباس الأبيض مشرف، وكل شيء أبيض محبوب، قال عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: {واغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد، ونقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس} وسبب ذلك أن الثوب الأبيض صاحبه يعتني به، فيبقى دائماً نظيفاً طيباً جميلاً أمام الناس، وأدنى شيء يؤثر فيه.
وأما صاحب الثوب الأسود؛ فإنه تمر عليه الأشهر، وهو بحمد الله على حالته لا يتغير، وقد يصبح فيه من السواد والبقع والروابي والأشجار ما الله به عليم، وهو على حاله.
فحبذ أهل العلم الثياب البيض، وقد روى الإمام مالك في الموطأ في باب الأدب واللباس، قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[يعجبني أن يكون القارئ ثوبه أبيض]]؛ لأن الأبيض يفتح النفس، وهو يظهر الاعتناء بهذا الدين والتجمل له، وكان عليه الصلاة والسلام يلبس الأبيض، ووجهه أبيض كأنه القمر ليلة أربعة عشر، فإذا اجتمع حسنه على حسن الثياب فهو الكمال المطلق.
ولذلك سيد قطب يتساءل كثيراً في سورة التحريم عن هذا الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول: إن اختياره لم يكن صدفة، إن الله هيأه ليكون رسولاً للبشرية، حتى في حياته وجسمه وأعضائه وجماله، فهو قوي العاطفة، حي الإحساس، مشرق الإدراك، متحرك مع الناس، يهش للدعابة لكن بلطف ووقار، ويمزح مع أصحابه، ويبكي في وقت البكاء، إنه الكمال البشري المطلق الذي وصل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي صحيح البخاري في كتاب اللباس: باب الثياب البيض -شرفها وفضلها- قال سعد رضي الله عنه وأرضاه: [[رأيت بشمائل النبي صلى الله عليه وسلم رجلين عليهما ثياب بيض يوم أحد ما رأيتهما قبل ولا بعد]] فقد نزلت الملائكة يوم بدر وأحد، يقول حسان:
وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد
أشرف بيت قالته العرب في تاريخ الإنسان هو هذا البيت، فقد قيل لأحد أهل الأدب -أظنه النضر بن شميل: - ما أشرف وأفخر بيت قالته العرب؟ قال: قول حسان:
وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد
والصحيح عند أهل السير أن جبريل كان تحت قيادة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن القائد الأعلى لقوات الإسلام في بدر هو المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبعض أهل السير قالوا: لا.
جبريل قائد الملائكة -ألف ملك- والرسول صلى الله عليه وسلم قائد الصحابة.
لكن الصحيح أن القيادة تعود إليه صلى الله عليه وسلم.
فنزلت الملائكة في الثياب البيض لشرفها وفضلها، وهو مقدم إلا للحاجة.