ثم توقف أبو سفيان وتوقف هرقل، وسكتت البطارقة والقساوسة، وخفض القواد والوزراء رءوسهم في صمت، وإذا بطارق يطرق القصر، فخرج أحد الحجبة وقال: من أنت؟ قال: أنا دحية بن خليفة الكلبي، أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، معي رسالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم.
قال أبو سفيان: فأدخلت الرسالة، وتناولها القواد سريعاً حتى وصلت إلى هرقل، فنظر فيها ثم دفعها إلى الترجمان، قال: اقرأها علينا.
قال فرفع صوته وقرأ، وهذا نص الرسالة: {بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم؛ السلام على من اتبع الهدى، أمَّا بَعْد: فأسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64]} فلما انتهت الرسالة وترجمت، قال أبو سفيان: كثر اللغط، وارتفعت الأصوات، واحتدمت الضجة، واختلط الناس، فأخرجنا الجنود من القصر، فقلت في نفسي: لقد أَمِرَ -أي: قوي- أَمْرُ ابن أبي كبشة، إنه ليخافه ملك بني الأصفر أي: ملك الروم.
وعاد أبو سفيان، وأسلم بعض الروم بهذه الرسالة، وارتفعت دعوته صلى الله عليه وسلم.