{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45] هناك تساؤل أثاره أهل العلم: كيف تكون الصلاة كبيرة على الذي لا يخشع في صلاته كالفاجر، وتكون خفيفة على المؤمن، مع العلم أن المؤمن يخشع ويلاحظ سكونه في الصلاة، ويلاحظ حضور قلبه في الصلاة فيعاني مشقة عظيمة من جرائها، وأما الفاجر فقد يصلي، ولذلك تجد بعض الناس قد يصلي عشر ركعات، ولا يدري هل صلى عشراً أم لا، لكن المؤمن إذا قام يصلي ركعتين وجل وخاف، وشقت عليه من كثرة استحضاره، فكيف تكون كبيرة على ذاك، وخفيفة على هذا؟ مع العلم أن هذا يعاني مشقة، أما الفاجر لا يعاني مشقة؛ لأنه يتسلى؛ لأنه ربما إذا طول الإمام في القراءة ذهب فكره وعقله في أمور الدنيا، في أفعالها وأقوالها، وفي بيعها وشرائها.
حتى ذكروا أن تاجراً صلى وراء إمام فسلم الإمام من ثلاث، فقال التاجر: ما صليت إلا ثلاثاً، قال: لا، بل صليت أربعاً قال: لا.
والله ما صليت إلا ثلاثاً، قال: كيف علمت، قال: أنا دائماً إذا صليت أربع أبدأ معك في السفر أخرج من بوابة الظهران في الركعة الأولى، وبعدما أجتاز خريص في الركعة الثانية، وأدخل إلى الخرج في الثالثة، وما أصل الرياض إلا في الرابعة، وأنت سلمت بي وأنا في الخرج، لذلك بعض الناس تجده يبيع ويشتري أو يصمم عمارة، أول ما يضع القواعد في الركعة الأولى، ويرفع الهيكل والعظم في الثانية، والتلييس في الثالثة، والفرش والأثاث في الرابعة ثم يسلم وقد انتهى من العمارة: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21] ما سمعنا بأرخص من هذا السعر إنسان يخطط ويعمر وينتهي فلا عمار ولا شيء.
كما قيل: إن أحد الحمقى رأى في المنام أن عنده تيساً، فقالوا: اعطنا تيسك بعشرة دنانير، قال: لا، بعشرين، قالوا: بعشرة، فنازلوه إلى خمسة عشر فرفض، فصحا من المنام فلم يجد لا تيساً ولا دنانير فغمض عينيه، وقال: هات الخمسة عشر! لكن هذه لا شيء، إنها أحلام الإنسان الذي يضيع أحلامه في الصلاة، ولذلك لا يسلم إلا مع الإمام مهما حاول أن يستعجل أو مهما حاول أن يفر، سوف يقيده الإمام فلا يسلم إلا معه.
فليتق الله هذا في صلاته!
والمقصود بقوله تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45] قالوا: الكبيرة بمعنى ثقيلة على نفسه أي لا يحبها، وأما الخاشع فإنه يحب الصلاة؛ فلذلك تجد الخاشع إذا أذن المؤذن، قال: الله أكبر ثم تابعه، وتجد الخاشع ينظر إلى ساعته متى يؤذن؟
كم توقيتكم هنا؟
من مؤذنكم؟
قلبه معلق بالمساجد، فهذا من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إذا سمع الأذان ذهب إلى المسجد، أما هذا الفاجر، أدهى وأبخس فلا يسمع الأذان، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {وقلبه معلق بالمساجد} والحبيب يرتاح إلى ذكر حبيبه:
وداعٍ دعا إذ نحن بـ الخيف من منى فهيج أشواق الفؤاد ولا يدري
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما أطار بـ ليلى طائراً كان في صدري
استشهد به ابن رجب عند ذكر الصلاة، هذا مجنون ليلى يقول: كنت أنا في منى أمشي وليلى في العراق، فسمعت إنساناً ينادي عن اسم ليلى فطير قلبي.
فالرجل المسلم إذا سمع: الله أكبر، ذكره بالله الواحد الأحد، قال سعيد بن المسيب: [[الحمد لله ما أذن المؤذن من أربعين سنة إلا وأنا في المسجد]] تصدقون أنه في عصرنا الآن بعض الناس ما يصدق أن هناك عباداً بلغوا درجة عالية ومرتفعة بسبب ما يرى من المفاسد، وكثرة ما يرى نعوذ بالله من الربا وكثرة التفلت، شيكات مصرفية، وربا فائق، وغناء ماجن، ومجلة متكدسة، ونظر طافح، وقسوة قلوب، وذنوب وخطايا حتى يظن المجتمع أنه هلك، ويقول: هلك الناس وهو أهلكهم، لا، الناس فيهم خير.
في بعض المناطق التي حدثنا عنها إلى هذا الوقت وإلى هذا الزمن، أنه يوجد عباد كبار السن في جهة نجد وقد حدثني بذلك بعض الثقات من طلبة العلم، قال: يجلسون بعد صلاة الفجر يوم الجمعة فيفتح المصحف من الفاتحة ويبدأ يقرأ ويأتي إلى سورة الناس ويختم المصحف قبل أن يدخل الخطيب بوقت بسيط.
وهناك رجل قالوا عنه: والله لو قيل له إن القيامة تقوم غداً، ما استطاع أن يزيد على عمله، عابد انصرف عن الدنيا، حتى ذكر أحد الكتاب -لا أحب أن أذكر اسمه- عن بعض العباد في ضواحي الرياض شيئاً عجيباً، تصور أن هناك شيوخاً كباراً في السن في بعض القرى يجتمعون، قد تعاهدوا وتعاقدوا على الخير والصلاح، وأن يختموا أعمارهم بخير ماذا يفعلون؟! قالوا: يصلون الفجر فإذا صلوا الفجر جلسوا في المسجد يذكرون الله حتى تطلع الشمس، ثم قاموا يصلون إلى أن يرتفع الضحى عشرات الركعات، ثم ذهبوا إلى بيوتهم فإن كانوا صائمين واصلوا وإلا أكلوا وجبة، ثم أتوا قبل صلاة الظهر يذكرون الله ويقرءون القرآن إلى أن يدخل وقت صلاة الظهر، ثم يصلون الظهر ثم يتنفلون ويعودون إلى بيوتهم في قيلولة، ثم يعودون من العصر ويقرءون إلى صلاة المغرب، ومن المغرب إلى العشاء ثم يعودون إلى العَشاء فينامون ثم يستيقظون وسط الليل، هل بقي وقت للمعصية؟! نحن لا نطالب الناس بمثل هذا لكن فاتقوا الله ما استطعتم، فإن الله علم أن الناس منهم موظفون ومهندسون وتجار ومسئولون ورعاة وبناة، فلذلك اتقوا الله ما استطعتم لكن انظر إلى البقية لعل الله أن يرحم بهم الناس.
وهناك قرية من القرى، قالوا: دخل مرض الجدري كل القرى إلا هذه القرية؛ لأنه كان فيهم رجل عابد يقوم الصباح بعد صلاة الفجر فيصلي في مسجده، ثم يطوف بالقرية ويقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، قالوا: والله الذي لا إله إلا هو ما سلمت قرية في تلك المقاطعة من الجدري ذكوراً وإناثاً وأطفالاً إلا هذه القرية، ما أصابها حبة جدري بصلاح هذا الرجل الصالح، ولذلك ورد في أحاديث أن الله يرحم أهل الحي بصلاح رجل واحد، وأن الله يضيف الناس بصلاح الصالح.
ولذلك تجد بعض الناس إذا سافر إلى أماكن يسألونه عن المدن، يقولون له: كيف وجدت الناس؟ قال: والله نعوذ بالله فجر الناس، لأنه نزل على أمثاله:
وفي السماء طيور إسمها البجع إن الطيور على أمثالها تقع
زار مثله وأمثاله الذين يتركون الصلاة، زار أهل الموسيقى والليالي الحمراء وأصحاب المجلات الخليعة، فجلس معهم فما رأى إلا هؤلاء، لكن أسأل بعض الأخيار الآن إذا سافر كيف وجدت الرياض وجدة ومكة والطائف، قال: ما شاء الله صحوة عارمة، وإقبال إلى الله، وتوبة نصوح، واستقامة ومجالس ذكر؛ لأنه زار من أمثاله وأقرانه فرأى خيراً، فلذلك ينبغي على الإنسان أن يتخذ عند الله وسيلة من العمل الصالح.