أتى رجل من بني إسرائيل فوقف أمام المرآة وعمره ثمانون سنة، أطاع الله في أربعين سنة، وعصى الله أربعين سنة قال: [[يا رب أطعتك أربعين، ثم عصيتك أربعين، أتقبلني إذا عدت إليك؟ فسمع هاتفاً يهتف يقول أطعتنا فقربناك، وعصيتنا فأمهلناك وإذا عدت إلينا قبلناك]].
من الذي أتى باب الله فرده؟ من الذي قرع بابه فيخيبه؟ من الذي اقترب منه فرده وأخزاه؟ من الذي مد كفيه فعادت خائبتين؟ من الذي بكى فما أنجز الله له طلبه؟ من الذي اعتصم بحبل الله فانقطع به الحبل؟ لا أحد، يقول الله: {وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [الأنبياء:76] ما هو الكرب؟ كاد أن يغرق فقال: لا إله إلا الله، فنجاه الله.
وقال سبحانه: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِين} [الأنبياء:87 - 88] الآيات.
أيها المسلمون! إن من أسرار قدرة الله عز وجل أن تكون مقاليد الأمور بيده، وهي العقيدة التي يريد الله أن يقررها للعبد: أن يعلم أنه لا يضر ولا ينفع إلا الله، ولا يشافي ولا يعافي إلا الواحد الأحد، ثم أعود فأقول: يقول سبحانه: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ} [يس:68] يقول: يا أيها البشر! يا أيها العالم! أما تنظرون إلى الكبير كيف يكبر، فيعود عقله كعقل الطفل: {نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ} [يس:68] ما لهم لا يعقلون؟ هذه هي الحياة، وهذا مصيرها.
تزود للذي لا بد منه فإن الموت ميقات العباد
أترضى أن تكون رفيق قوم لهم زاد وأنت بغير زاد
قالوا لأحد السلف الصالح: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت وأعدائي أربعة، دنيا تنهشني وأنهشها، وشيطان يضلني قبل أن أتحرج منه، وغريم لا يفارقني -وهو الموت- وأسرة تطلب مني النفقة كل صباح، هذه غرماء المؤمن.
وقالوا لرجل من التابعين وهو في الثمانين: كيف أصبحت؟ قال: أما عين من عيوني فقد ذهب بصرها، والعين الأخرى ترثي أختها لتلحق بها، وسقطت أضراسي، وامتدت يدي إلى قبري وحملت كفني فكيف؟ يعني: كيف أصبح.
يا أيها المسلمون! يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:1 - 8].
عند البخاري في الصحيح، أنه عليه الصلاة والسلام: {مر بـ ابن عمر -الشاب الزاهد العابد، وهو في العشرين- فوضع يده على كتفه وقال: كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل} وفي حديث مرفوع: {وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح}.