يقول سبحانه للإنسان: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] ومعنى ذلك: يا أيها الإنسان! منذ أن وضعتك أمك وأنت في شدة وكرب وامتحان ومسئولية، وأنت سائر إما إلى طريق الخير، أو إلى طريق الشر، ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6] ماذا خدعك؟ من غرك بالله؟ من الذي صرفك عن المسجد إلى المقهى وإلى الجلسة اللاهية؟ من الذي صرفك عن القرآن إلى الأغنية؟ وعن الجلوس مع الصالحين إلى الجلوس مع الأشرار من هذا؟ {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6].
إخوة الإسلام! إخوة الإيمان! يا حملة لا إله إلا الله! يا من جرت دماؤهم بلا إله إلا الله! إن من معاني لا إله الله إلا الله، أن تعيش حياتك بلا إله إلا الله، فالحياة ليست بشيء إنما هي غرور ولحظات لهو.
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثان
يقول الله للناس يوم القيامة: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ} [المؤمنون:112] كم مكثتم في الأرض؟ كم لكم في الحياة؟ فيا من عاش مائة سنة! ويا من سكن القصور وعمر الدور، ووسع البساتين وأجرى الأنهار، ولبس الجديد وتمتع بالأولاد، وضحك وشبع، كم لبثتم في الأرض عدد سنين؟
اسمع الرد: {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ} [المؤمنون:113] حياتنا يوم أو نصف يوم، ما زدنا على يوم أو نصف يوم، عشنا من الصباح إلى المساء، وربما ما أكملنا يوماً من الصباح إلى الظهر فاسأل العادين، اسأل الملائكة، فنحن قد ذهلنا ودهشنا فما ندري، إما يوم أو بعض يوم، لا نريد أن نكذب إنما هو يوم أو أقل، فاسأل العادين، فالله لا يسأل العادين، لأنه هو الذي يعد على العادين، يقول: {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد:41] ما معنا هذا؟ قال المفسرون: إذا أمضى على الشيء لا يمضي بعده أحد -الإمضاء التوقيع- وإذا أنهى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أي شيء من معاملة العبد، كان توقيعه الأخير.
يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39] لا معقب لحكمه، فلا يأتي أحد يعقب على حكمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فتوقيعه الأخير: {قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [المؤمنون:114] فيقول لهم: لقد كانت حياتكم قليلة وسهلة ويسيرة ولكنكم ماجلعتموها في طاعة الله.
دنياك تزهو لا تدري بما فيها إياك إياك لا تأمن عواديها
تحلو الحياة لأجيال فتنعشهم ويدرك الموت أجيالاً فيفنيها
يا مسلون! يقول الله: {قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [المؤمنون:114] ما أقل العمر.
الإمام أحمد بن حنبل، إمام أهل السنة والجماعة، نظر وهو شاب إلى المرآة فإذا شيبه ملء لحيته، فبكى، وقال: والله كأن الشباب شيء سقط من يدي.
كأنه شيء رفعته فسقط من يدك.
فيا شباب الإسلام! انظروا إلى آبائكم الذين شابت لحاهم، من الذي شيبهم؟ هو الذي أفنى القرون السالفة، وهو الذي أخذ الأجداد والآباء وسوف يأخذ الأولاد والأحفاد.
بكيت على الشباب بدمع عيني فلم يغنِ البكاء ولا النحيب
ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب