خرج سليمان عليه الصلاة والسلام على الريح، وكان قد سخر الله له الريح: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ:12] إذا أراد أن يسافر ركب الريح يأمرها بأمر الله، يقول: أريد الهند فتأتي فتكون كالبساط تحته فترتفع به مع الأمراء والوزراء والحاشية وتذهب به وهو في السماء، وإذا أراد أن يهبط قال: اهبطي هنا، ويقول: بعض المفسرين: إن الله قال: {رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص:36] لئلا يتوهم متوهم أنها سوف تنزل نزولاً صعودياً مظلياً فتصتدم به في الأرض قال: لا: {رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص:36] يعني: تتدرج به إذا أراد أن ينزل، فلا تنزل دفعة واحدة، إنما تنزل رويداً وريداً، حتى يهبط.
سليمان أتاه الله ملكاً عظيماً يقول: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص:35] وقدم المغفرة لأن الملك بلا مغفرة لا يساوي شيئاً، والمنصب بلا مغفرة لعنة، والدنيا بلا مغفرة غضب، قال: رب اغفر لي.
ركب مرة إلى الهند فلما أصبح على بساط الريح إذا بالفلاح يحرث الأرض، فحجب سليمان -عليه السلام- الشمس ببساطه فالتفت الفلاح ظن أنها غيمة وسحابة، فإذا سليمان ومعه الحاشية والأسرة الحاكمة والجنود، قال الفلاح: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً عظمياً، فارتفعت سبحان الله! إلى الحي القيوم، ومرت على أذن سليمان فسمعها، فقال للريح اهبطي هنا عند الفلاح فهبطت، قال للفلاح ماذا قلت؟ قال: رأيتك ورأيت ملكك فقلت سبحان الله لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، قال: سليمان والذي نفسي بيده قولك: سبحان الله، أعظم مما أوتي آل داود.
خذ القناعة من دنياك وارض بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن
وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير الطيب والكفن
لا إله إلا الله.
ونادِ إذا سجدت له اعترافاً بما ناده ذو نون بن متى
وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا