ذهب الاثنان، ولذلك يقول: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً} [طه:29 - 33] لأنه من المعروف أن الاثنين يسبحان أكثر من الواحد وهذا معروف في العدد، والثاني: إذا أعان أخاه على الذكر تذاكرا جميعاً، ولذلك إذا أردت أن تسافر فسافر برفيق، يقول صلى الله عليه وسلم: {الراكب شيطان}.
قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طه:42] أي: لا تضعفا؛ بل سبحا وهللا وكبرا حتى تتقويان على الدعوة وعلى تنفيذها.
فلما وصلا إلى بساط فرعون واستأذناه ودخلا عليه ومعه جنوده وحاشيته، دعواه إلى الله عز وجل.
فضحك والتفت إلى أصحابه يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة الشعراء: {قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمْ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ} [الشعراء:25 - 30] الآيات.
ولذلك يقول اشتكى موسى عليه السلام إلى الله عز وجل من فرعون، يريد رعاية الله وحمايته له وهي الشاهد يقول: {رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:45] يفرط أي: يستعجل، والمعنى أنه يخاف أنه ما إن يدخل من الباب وهو لا يعرف القضية، ولم يتكلم معه في شيء، فيستعجل في حكمه عليه، أو أن يطغى أي: بعد أن نخبره، قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] وإذا كان الله معك يسمع ويرى، فلا تخف من الدنيا كلها، ولذلك هذه العقيدة هي درجة عالية ما أدركناها، ونسأل الله أن يوصلنا إليها.
يقول صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس: {واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك} وتتدخل عناية الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فيوفقه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ويتكلم معه؛ لكن الخبيث رفض، ويعيده للميدان ثانية، ويجمع سحرته في يوم الجمعة، يطلب أن يحشر الناس ضحى، ويخاف موسى عليه السلام، ويتكرر منه الخوف أيضاً، ويأتي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ويقول: لا تخف، أنا معك أسمعك وأراك، لكن الإنسان بشر والبشر يخاف ويوجل وتتهدم جوارحه، حتى أنك لو حلفت للإنسان أنه لا يأتيه شيء، وتحلف له أيمان القسامة أن الذئب لا يأكله لا يصدقك، يخرج ولكن يبقى في نفسه شيء.
فألقى السحرة عصيهم وكل ما في أيديهم، فإذا العصي حبال تسعى، أصبحت الخيزران تلعب كأنها ثعبان، وهو عليه السلام يصدق بوعد الله عز وجل لكن البشر بشر، فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى} [طه:67 - 68] سوف تجد من يفشل هذا اليوم وينهزم، فألقى عصاه فأخذت تبتلع كل العصي وكل الحبال، وأخذت هذه الحيات في بطنها، وكبرت ما شاء الله واتجهت إلى منصة فرعون لتبتلعه كذلك، لكن الخبيث يشرد، يقول الحسن البصري رحمه الله: [[كان فرعون طياشاً خفيفاً جباناً لأنه ما يقف إلا على الدعاية.
هلا برزت إلى غزالة في الوغى أم كان قلبك في جناحي طائر
أسد عليَّ وفي الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافر
وهكذا إلى نهاية القصة، والله يتولاه إلى آخر مرحلة حتى خرج فرعون يطارده من مصر، واتجه إلى البحر ويا سبحان الله! أين يتجه؟! البحر أمامه، وفرعون وراءه؟ لكن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول له: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ} [الشعراء:63] ويا عجباً لهذه العصا! مرة يضرب بها الغنم، ومرة تصبح حية تسعى، ومرة تلتهم الأشياء، ومرة تشق البحر نصفين؛ وهذه عناية الله تدرك العصا، وانشق البحر، وخرج موسى من الماء، ولا يزال فرعون يحاول إدراك موسى ومن معه، فدخل الجنود، هذا إن شئتم صدقتموه وإن شئتم كذبتموه؛ لكن لا تكذبون ولا تصدقون قولوا: دخل فدخل بجيشه، ولما انتصف في الماء أطبق عليه فهلك هو وجنوده، وانتصر موسى عليه السلام وأصبح رجل الموقف.
من الطفل الذي في اللفائف، والذي ألقي في اليم إلى رجل الموقف ورسول الأمة الناجح في هذه المعركة، هذا ملخص القصة التي تبين أن عناية الله عز وجل تدرك أصحابه وأولياءه وأحبابه في الحياة الدنيا وفي الآخرة.